فضل العرب العلمي على الغرب
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيملقد صار العالِم العربي ــ في القرون التخلف الوسطى للغرب ــ هو مؤسس علوم الكيمياء العضوية، ولم يتردد في امتحان الفروض اليونانية
وإخضاعها لمعايير النقد العربية التجريبية، وكان معظمها لا أساس له سوى التخمين، وصوبوا مئات ومئات من تلك الفروض العلمية الخطأ،
ومنها أخطاء جالينوس التي صوبها الطبيب عبد اللطيف أحد أطباء صلاح الدين الأيوبي، وفساد نظريته حول وجود ثقوب في الحجاب الحاجز
بالقلب، وصححها ابن النفيس الذي بيَّن أنها خيال محض، وصوبها باكتشافه الدورة الدموية الصغيرة، وأخطاء إقليدس وبطليموس الزاعمة أن
العين ترى بتسليط نورها على المرئيات، بالتصويب العبقري لعالِم البصريات الحسن بن الهيثم الذي وضع نظريات وقوانين عديدة في عالَم
البصريات مقدِّماً لأوروبا نظرية تكاد تكون متكاملة حول الأشعة، بما في ذلك الأسس التي يقوم عليها استخدام العدسات والمجاهر وجميع أنواع
المرايا وآلة التصوير بالتعتيم الشمسي وكشافات الضوء الكهربية وغير ذلك.
إن إنجازات علماء العرب من أطباء وكيميائيين ورياضيين وفلكيين ومخترعاتهم الفنية هطلت على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها
قروناً، وخصَّبها من نواحٍ متعددة.. لقد قدموا البواعث التي أشعلت الشرارة الأولى لإطلاق البحث العلمي الذي كان منذ القرن التاسع الميلادي
مشلولاً يكاد يموت خنقاً، وذلك بسبب عدم السماحة الكنسية، والملاحقة والمنع والتحريم الذي فاق كل حدّ.
وها هو ذا "إدلهرد" يأسى على ما يسود وطنه من جو خانق، بعد عودته من السعة والحرية السائدتين في عالَم الفِكر العربي.. فيطلق من أعماقه
زفرات، أطلقها بعده بمائة عام خلفه "روجر"، لكنه أيضاً وإنْ كان الأخير قد شدوا وثاقه شداً، فِكراً وجسداً:
"إننا إنْ تهاونا وقصَّرنا في تفهم أسرار هذا الكون الرائعة، وجماله وجلاله البديع الحكيم، ونحن نعيش فيه، فإننا نستحق كل الاستحقاق أن نـُطرَد
منه طرداً؛ لأننا نكون أشبه بالضيف الجاهل حرمة البيت وكرامته، الذي أحله إياه المضيف. لقد أتيح لي أن أتعلم شيئاً من الأساتذة العرب الحكماء
عن الانقياد للعقل؛ أما أنتَ فإنك تتبع صورة فرضتها عليك هيمنة مستبدة".
لقد لاحظنا أن بعض مدَّعي التنوير في هذا الزمان، يرددون عن ثقافتنا الإسلامية ــ كالببغاوات ــ ما تنفثه أفواه الحاقدين على حضارة الإسلام
والكارهين للمسلمين، ويتناسون ما ذكره المنصفون من علماء الغرب الذين نقلوا عن العرب المسلمين وتعلموا منهم كيف تكون حرية الفكر مع
استقامة الدين.
فهل يعلم مدَّعو التنوير عندنا هذه الحقائق؟ وهل يعلمون فضل العرب والمسلمين على الحضارة الغربية وما قدموه في مجالات العلوم الطبيعية
والتجريبية؟ مما كان له الفضل فيما يجري كشفه من حقائق علمية، بعضها هو ما يتجدد به إعجاز القرآن.
أظن أنهم لو أحاطوا بإسهامات الحضارة الإسلامية وفضلها على الغرب ما قالوا ما قالوه..
ولا نجتزئ بهذا المثال أو ذاك؛ لأنه لا ينبغي اجترار الماضي، وإنما نؤكد على ريادة المسلمين التي بنى عليها الغربُ وعلماؤه لبنة فوق لبنة. (1)
تقديم: سام محمد الحامد علي
(1) من مقدمة كتاب "من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم" لأحمد فراج.
[الكتاب المذكور، د. زغلول النجار، مكتبة الشروق الدولية، ج1، ص16-18][right]