منتديات صوران
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات صوران

ثقافي اجتماعي منوع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبد الرزاق
مشرف
مشرف
عبد الرزاق


الدولة : سورية
ذكر
عدد المساهمات : 761
العمل/الترفيه مدرس . المطالعة
المزاج

خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام   خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام I_icon10الإثنين نوفمبر 29, 2010 2:03 pm


للحياة الربانية أو الروحية في الإسلام خصائص تميزها عن أي حياة تنسب إلى الروح في الأديان الأخرى، كتابية أو وضعية.
1. التوحيد
التوحيد هو أول خصائص الحياة الروحية في الإسلام، وهو أيضا أول مقوماتها، فلا وجود لهذه الحياة بغير التوحيد، ولا تميز لها بغير التوحيد.
ومعنى التوحيد هو: إفراد الله تعالى بالعبادة والاستعانة، فلا يعبد إلا الله، ولا يستعان إلا بالله، وهذا مقتضى قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) الآية التي جعلها الله تعالى واسطة عقد فاتحة الكتاب وأم القرآن، وجعلها الإمام الهروي محور رسالته "منازل السائرين، إلى مقامات: إياك نعبد وإياك نستعين" والتي شرحها ابن القيم في "مدارج السالكين".
والعبادة معنى مركب من عنصرين: غاية الخضوع للمعبود، مع غاية الحب له، كما شرحنا ذلك في كتابنا "العبادة في الإسلام". وهي الغاية من خلق المكلفين جميعا: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
لقد بين القرآن أن الأنبياء جميعا بعثوا إلى أقوامهم برسالة التوحيد: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)، وتحريرهم من عبادة الطاغوت أيا كان اسمه وعنوانه، وأيا كان شكله وصورته: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).
قد يكون هذا الطاغوت المعبود من دون الله بشرا أو جنا مختفيا عن الأعين. وقد يكون حيوانا كالبقرة والعجل، وقد يكون قوة من قوى الطبيعة، وقد يكون حجرا من الأحجار، نحته الناس وصوروه ثم عبدوه! قد يكون شيطانا مريدا، وقد يكون نبيا معصوما أو وليا صالحا، ولا ذنب له في عبادتهم إياه.
جاء الإسلام يحرر الناس من عبادة غير الله: عبادة الأشخاص، وعبادة الأشياء، وعبادة الأهواء، وقد قال ابن عباس: "شر إله عبد في الأرض الهوى".
وكانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك النصارى وأمراء أهل الكتاب تختم بهذه الآية الكريمة: (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله).
إن الذي أفسد الحياة، وأضل الناس، ليس هو الإلحاد، فقد كان الملحدون الجاحدون لوجود الله قلة لا وزن لها طوال عصور التاريخ، إنما هو الشرك، الذي جعل الناس يعبدون مع الله آلهة أخرى، يزعمون أنها شفعاؤهم عند الله. وقد غدا هذا الشرك وكرا للكهانة والدجل، ومباءة للخرافات والأباطيل. والانحطاط بالإنسان من ذرا الكرامة إلى حضيض الهوان: (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق).
إن الحياة الروحية كما يريدها الإسلام تقوم على التوحيد الخالص لله، وهذا التوحيد يقوم على عناصر أربعة، أشارت إليها سورة الأنعام، وهي سورة التوحيد:
أولها: ألا يبغي غير الله ربا: (قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء).
وثانيهما:ألا يتخذ غير الله وليا: (قل أغير الله اتخذ وليا فاطر السموات والأرض).
وثالثهما: ألا يبتغي غير الله حكما: (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا).
ورابعها:ألا يبتغي غير رضا الله غاية: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له).
فإذا اكتملت هذه العناصر علما وحالا وعملا، تحقق التوحيد، الذي هو أساس الحياة الروحية، بل هو روح الوجود الإسلامي كله.

خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Rule-1
2. الاتباع
وثانية خصائص هذه الحياة كما يريدها الإسلام: الاتباع.
فليست الحياة الربانية أو الروحية الإسلامية مادة هلامية رجراجة، يشكلها الناس بما يشاءون، وكيف يشاءون، بل هي حياة منضبطة بأحكام الشرع الإلهي.
وإذا كان جوهر الحياة الروحية هو حسن الصلة بالله تعالى، بذكره وشكره وحسن عبادته جل شأنه، فإن هذه الصلة مضبوطة بأصلين أساسيين:
الأول: أن تكون العبادة لله وحده، فلا يشرك به أحد، ولا يشرك به شيء، لا نبي ولا ولي، ولا ملك ولا جن، ولا بشر ولا حجر: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء).
(فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).
الثاني: ألا يعبد الله إلا بما شرعه، في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حتى لا يشرع أحد في الدين ما لم يأذن به الله، فالأصل في العبادات الشعائرية التوقيف والمنع، حتى يأتي نص من الشارع ينشئها، على خلاف الأصل في العادات والمعاملات وشئون الحياة، فالأصل فيها الإذن والإباحة، ما لم يأت نص محرم من الشارع.
وقد سئل أبو علي الفضيل بين عياض رضي الله عنه عن قوله تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملا): ما أحسن العمل؟ قال: أحسن العمل أخلصه وأصوبه، فلا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا صوابا، قيل: وما خلوصه وصوابه؟ قال: خلوصه أن يكون لله، وصوابه أن يكون على السنة.
فالذين يحكمون أذواقهم ومواجيدهم في إنشاء صور وابتداع أشكال وأساليب للعبادة، استحسنتها عقولهم، وزينتها لهم أهواؤهم، مخطئون خطئا فاحشا، وإن كانوا يقصدون التقرب إلى الله تعالى: فإن شرعية العبادة لا تستمد من تحسين العقل، ولا من تزيين الهوى، بل من الوحي وحده.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد".
يريد: من ابتدع في ديننا صورا للتعبد لم يشرعها الله فهي مردودة عليه، غير مقبولة منه.
وقال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة".

خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Rule-1
3. الامتداد والشمول
وثالثة هذه الخصائص تتمثل في الامتداد والشمول.
فالمسلم لا يعيش حياتين متناقضتين: روحية مستقلة ومادية منفردة..
بل هي حياة واحدة تمتزج فيها الروحانية بالمادية امتزاج الروح بالجسم والعصارة بالغصن.
فالحياة الروحية للمسلم حياة ممتدة عميقة نافذة شاملة، تصحبه في جلوته وخلوته، في البيت وفي الطريق، في العلم وفي العمل، في السفر وفي الحضر، عند النوم وعند اليقظة، فليست الحياة الروحية للمسلم مقصورة على المسجد، عند أداء العبادة الشعائرية، ثم ينطلق محلول اللجام، لا يتقيد بشيء، بل هو مع الله دائما، لا يغفل عنه، ولا ينسى ذكره، ولا يهمل رقابته: (ولله المشرق والمغرب، فأينما تولوا فثم وجه الله)، (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا).
ولهذا شرع الذكر والدعاء في كل شأن من شئون الحياة: في الإصباح والإمساء، والدخول والخروج، والأكل والشرب، والنوم واليقظة، والسفر والأوبة، حتى عند الشهوة الجنسية: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا).
والمسلم في أعماله الدنيوية المحضة من زراعة وصناعة وتجارة وإدارة، ليس معزولا عن الحياة الروحية، فهو مطالب بأن يراقب الله في عمله، فيتقنه، فلا يغش ولا يخون ولا يظلم: "إن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن"، "إن الله كتب الإحسان على كل شيء". وهو مطالب كذلك ألا يلهيه أمر دنياه عن واجبه نحو ربه، فإذا نادى المنادي أن "حي على الصلاة" انتشل نفسه من لجة الأشغال الدنيوية، ليقف بين يدي ربه مناجيا خاشعا، وهو ما وصف الله به رواد مساجده، وعمار بيوته، بقوله: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار).
على أن المسلم بنيته الصالحة، واتجاهه الصادق إلى الله، يستطيع أن يجعل أعماله الدنيوية عبادات وقربات إلى الله تعالى.
إن المؤمن ليؤجر في كل شيء حتى "في اللقمة يضعها في فم امرأته" من باب الممازحة والمؤانسة. حتى الصلة الجنسية المباحة، صلة الزوج بزوجه، كما جاء في الصحيح: "وفي بضع أحدكم صدقة"، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه زور؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".
ومقتضى هذا أن تغدو الأرض كلها مسجدا للمسلم، يتعبد فيه لربه، وتصبح أعماله كلها قربات إلى الله جل جلاله، فهو يشعر دائما أنه في محراب صلاة، لأنه أبدا مع الله!

خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Rule-1
4. الاستمرار
والخصيصة الرابعة هي: الاستمرار.
فإذا كانت الحياة الروحية تصحب المسلم أفقيا أو مكانيا في كل مجالات حياته، فإنها تصحبه كذلك رأسيا وزمانيا في جميع أوقاته، وأطوار حياته حتى يلقى ربه.
فإذا كانت بعض الديانات تكتفي من الإنسان أن يعبد ربه يوما في الأسبوع، أو ـ على الأصح ـ ساعة من يوم، ثم ينصرف عنه سائر الأسبوع إلى دنياه وشهواته ومشاغله الخاصة ـ فإن الإسلام له موقف آخر.
إن هناك عبادات تطلب من المسلم في العمر مرة واحدة، مثل الحج، طلب افتراض وإلزام.
وهناك عبادات تطلب من المسلم كل عام، مثل صوم شهر رمضان، وزكاة الأموال الحولية.
وهناك عبادة تطلب من المسلم كل أسبوع مرة، وهي صلاة الجمعة.
ولكن هناك ـ إلى جوار هذا كله ـ عبادة يومية، تصل المسلم دائما بربه وتجعله على موعد معه، في كل يوم خمس مرات، تذكره إذا نسى، وتنبهه إذا غفل، وتقويه إذا ضعف، وهي الصلوات المفروضة، التي اعتبرها الإسلام عمود الدين، والفيصل بين المسلم والكافر: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين).
وهي عبادة تجب على المسلم في السفر والحضر، وفي الصحة والمرض، وفي السلم والحرب، لا تسقط بحال من الأحوال.
ولهذا نجد في الفقه الإسلامي صلاة المسافر، بما فيها من قصر وجمع، وصلاة المريض، وفيها حديث: "صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب".
وصلاة الخوف ـ أو صلاة الحرب ـ وفيها جاء قوله تعالى: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم).
حتى في حالة التحام الصفوف، والتقاء السيوف بالسيوف، واحتدام المعركة بين الطرفين، يصلي المسلم كيفما استطاع، راجلا أو راكبا ولو بالإيماء، دون اشتراط ركوع أو سجود أو اتجاه إلى قبلة، وفي هذا يقول القرآن: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين، فإن خفتم فرجالا أو ركبانا).
هذا إلى أن المسلم مأمور بذكر الله تعالى في كل أحيانه، وعلى كل أحواله، مسافرا أو مقيما، صحيحا أو سقيما، قائما أو قاعدا أو على جنب. قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا). غير الأذكار التي وردت بأسبابها ومناسباتها الخاصة، وقد ألفت في ذلك كتب خاصة.
والمسلم مطالب بعبادة الله تعالى مادام فيه عرق ينبض، ونفس يتردد، حتى يوافيه الموت، وينتهي أجله المحدود: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) واليقين هنا الموت، كما في قوله تعالى على لسان الكفار يوم القيامة: (وكنا نكذب بيوم الدين، حتى أتانا اليقين).

خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Rule-1
5. اليسر والسعة
والخصيصة الخامسة هي: اليسر والسعة.
فالحياة الروحية في الإسلام ـ برغم امتدادها وشمولها واستمرارها ـ حياة سهلة ميسرة، لا تكلف الإنسان شططا، ولا ترهقه عسرا، ولا تحمله من الآصار والأغلال ما يقصم ظهره، فهو غير مكلف إلا بما في وسعه، ولا مطالب إلا بما يستطيعه ويقدر عليه دون مشقة شديدة.
ولا غرو إن وجدنا القرآن ينفي الحرج عن هذا الدين نفيا كليا، فيقول: (وما جعل عليكم في الدين من حرج).
ويقول في ختام آية الطهارة وشرعية التيمم: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون).
وفي ختام آية الصوم، وما ذكر فيها من الرخصة للمريض والمسافر من الفطر والقضاء، يقول: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
ويذكر القرآن صفة النبي صلى الله عليه وسلم، عند أهل الكتاب: (الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)، فهذا هو عنوان رسالته عند أهل الكتاب، وهو ناطق بما تحمله من السعة والتيسير، ورفع آصار التكاليف الثقيلة التي كانت على من قبلنا، ولهذا علم الله المؤمنين أن يقولوا في دعائهم: (ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به). وقد ورد في الصحيحين: أن الله استجاب لهم هذا الدعاء.
ومن ثم وجدنا الحياة الروحية في الإسلام تتسع لكل مراتب الناس ودرجاتهم: الدنيا والوسطى والعليا، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، ذلك هو الفضل الكبير).
فهناك من يكتفي بأداء الفرائض، وقد يقصر فيها، ويقتصر على ترك المحرمات وقد يقع فيها، وهو الظالم لنفسه.
وهناك من يلتزم بأداء الفرائض ولا يقصر فيها، ويلتزم بترك المحرمات ولا يتهاون في الوقوع في شيء منها، وهو المقتصد.
وهناك من لا يكفيه ترك المحرمات، بل يتقي الشبهات استبراء لدينه وعرضه، بل يرتقي فيدع المكروهات، ثم يرتقي فيدع ما لا بأس به حذرا بما به بأس.
وفي جانب المأمورات لا يكفيه أداء الفرائض، ولا يشبع نهمه، فهو يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه، كما جاء في الحديث القدسي: "ما تقرب إلي عبدي بأفضل مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، وقدمه التي يسعى بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه".
فإذا كانت الفرائض توصل صاحبها إلى منزلة "القرب" من الله، فإن النوافل ترقى به إلى منزلة "الحب" من الله تعالى، وهي منزلة السابق بالخيرات بإذن الله.
لقد وسعت الحياة الروحية الإسلامية الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن فرائض الإسلام، فعرفه إياها: من الصلوات الخمس، والزكاة المفروضة، وصوم رمضان، وهو يسأل في كل منها: هل علي غيرها؟ قال: "لا إلا أن تطوع"، ثم قال في النهاية بكل صراحة: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق" أو "دخل الجنة إن صدق".
ووسعت ـ مع هذا الأعرابي ـ العباد الزهاد من الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعلي وأبي ذر وأبي الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن عمرو، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.
وتتسع الحياة الروحية في الإسلام للعصاة التائبين، ولا تغلق في وجوههم باب الرحمة، مهما تكن جرائمهم، وإسرافهم على أنفسهم، وفي هذا يقول القرآن: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعا، إنه هو الغفور الرحيم).
فانظر كيف أمر الله رسوله أن يناديهم بهذا النداء اللطيف برغم معصيتهم وإسرافهم على أنفسهم: (يا عبادي) ليشعرهم بأن صلتهم بربهم لم تنقطع وأنهم ـ برغم ما ظلموا وأسرفوا ـ عباده، الذين لا يجوز لهم أن يقنطوا من رحمته أو ييئسوا من روحه، فإنه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، ولا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون.
وقد ذكر الله قوما أشركوا وقتلوا وزنوا ثم تابوا فتاب الله عليهم: (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق أثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا، إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفورا رحيما).
وقرأ الإمام الحسن البصري رضي الله عنه قوله تعالى في سورة البروج: (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) فقال معجبا من عظيم فضل الله تعالى وسعة عفوه ورحمته: قتلوا أولياءه، ثم لم يوئسهم من التوبة!
وفي قصة المرأة الغامدية التي اقترفت كبيرة الزنى وهي محصنة وأصرت أن تتطهر بإقامة حد الله عليها، مهما تكن شدته، قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم".

خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Rule-1
6. التوازن والاعتدال
والخصيصة السادسة لهذه الحياة الربانية هي: التوازن والاعتدال.
فالحياة الروحية في الإسلام ـ كما شرعها الله ورسوله ـ حياة معتدلة، متوازنة ومتناسقة مع جوانب الحياة المادية الأخرى، فلا يقبل فيها التنطع، ولا الغلو، الذي يجوز به المسلم على نفسه، وعلى حقوق الآخرين.
وهذا العنصر مكمل لعنصر اليسر والسهولة، الذي تحدثنا عنه، بل هو لازم من لوازمه، فإن المكلف الذي يخرج عن حد الوسطية والاعتدال، يدخل ـ لا محالة ـ في دائرة العسر والحرج.
لم يطلب الإسلام من المسلم أن يعتزل الناس والحياة، ليتعبد الله في صومعة أو يترهب في دير، بل أنكر على الذين ابتدعوا الرهبانية من عند أنفسهم، ثم لم يرعوها حق رعايتها.
وأنكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، على من غلا من أصحابه في العبادة أو الزهد، مبينا لهم طريق الاعتدال، ومنهج التوازن، وهو طريقه ومنهجه صلى الله عليه وسلم، أي سنته التي يجب اتباعها، ولا يجوز رفضها، ولهذا قال للثلاثة الذين سألوا عن عبادته من أزواجه، فلما عرفوها تقالوها (عددها قليلة) وقالوا: أين نحن من رسول الله، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ وقال أحدهم: أما أنا فأصوم الدهر، ولا أفطر، وقال الثاني: وأنا أقوم الليل فلا أرقد، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم بمقالتهم فجمعهم وخطب فيهم قائلا: "إنما أنا أخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
إن الحياة الروحية الإسلامية لا تقتضي من المسلم أن يديم صيام النهار، وقيام الليل، وبذلك يجور على حق بدنه في الراحة، وحق عينه في النوم، وحق أهله في المؤانسة، وحق مجتمعه في المعونة، وهذا ما أوصى به الرسول عليه الصلاة والسلام عبدالله بن عمرو، حين تفرغ للصيام والقيام والتلاوة، وغفل عن حق نفسه، وحق زوجه، وحق زواره، فأمره النبي بالاعتدال في ذلك قائلا: "فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا".
والحياة الروحية في الإسلام لا تستوجب من المسلم أن يحرم على نفسه طيبات الحياة الدنيا، كما صنعت المانوية في فارس، البرهمية في الهند، والبوذية في الصين، والرواقية في اليونان، والرهبانية في الديانة النصرانية.
والقرآن الكريم في غير موضع منه، شدد الإنكار على الذين حرموا طيبات ما أحل الله، وبين لهم أن الله تعالى خلق لهم ما في الأرض جميعا، وما كان سبحانه ليخلقها لهم، ثم يحرمها عليهم!
كل ما طلبه منهم أن يتناولوها باعتدال، بلا إسراف ولا تقتير، وألا يعتدوا فيها على حق أحد، وأن يشكروا نعمة الله فيها، بالاستعانة بها على طاعته وعدم استخدامها في معصيته، وإفساد أرضه.
يقول تعالى: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين، قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة، كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون).
ويقول: (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون)، (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين).
ويقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين، وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا، واتقوا الله الذي أنتم به تؤمنون).
فلا حرج على المسلم أن يستمتع ـ وهو في قمة ارتقائه الروحي ـ بطيبات المأكل والمشرب، وطيبات الملبس والزينة، وطيبات المسكن والمأوى، وطيبات الحياة الزوجية، وطيبات اللهو والترويح.

خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Rule-1
7. التنوع
ومن خصائص الحياة الروحية في الإسلام: التنوع، فالمسلم الذي يعبد ربه ويتقرب إليه، ويغذي روحه بحبه، وقلبه بقربه، وعقله بمعرفته سبحانه، لا يحبس نفسه على نوع معين من التعبد أو الجهاد الروحي.
إن أمامه فرصا جمة، ومجالات رحبة، يصول فيها ويجول، ويجد كل إنسان فيها ما يشغل طاقته، ويشبع نهمه، وينقع غلته.
فقد نوع الإسلام في مطالبه الروحية من الإنسان المؤمن ما بين قول وعمل، وفعل وترك، وإلزام وتطوع، وعمل جارحة وعمل قلب، وما بين ليل ونهار، وسر وعلانية.
من عبادات الإسلام ما هو قولي كالذكر وتلاوة القرآن، وما هو فعلي كإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وما هو تركي كالصيام الذي هو إمساك وحرمان.
ومنها ما هو بدني خالص كالصلاة والصيام والجهاد بالنفس، وما هو مالي خالص كالزكاة والصدقات والجهاد بالمال.
وما هو جامع بينهما كالحج والعمرة، والجهاد بالنفس والمال معا.
ومنها ما هو إيجاب، كفعل المأمورات، فرائض لازمة أو نوافل مستحبة.
ولا ريب أن الفرائض مقدمة على النوافل، ولا يقبل الله النافلة حتى تؤدى الفريضة، والمحافظة على أداء الفرائض تفضي بالإنسان إلى منزلة "التقرب" من الله تعالى، والمحافظة على النوافل ترقى به إلى منزلة "الحب" لله تعالى.
وفي هذا جاء الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه: "ما تقرب إلي عبد بأفضل مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها.."
ومنها: ما هو سلب مثل ترك المنهيات، محرمات كانت أو مكروهات.
وأول ما يجب اجتنابه ـ بعد الشرك ـ هو الكبائر، ثم يرتقي المرء فيجتنب صغائر المحرمات، ثم يتقي الشبهات، استبراء لدينه وعرضه، ثم يرتقي فيجتنب المكروهات ولو كانت كراهتها تنزيهية، ثم يزداد ارتقاء فيتقي بعض الحلال، خشية أن يجر إلى المكروه، فالشبهة، فالحرام، كما في الحديث: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس".
وهذا الجانب التركي أو السلبي أمر مهم، وهو بمثابة التخلية قبل التحلية، أو إزالة الأنقاض قبل البناء، وفي الحديث: "اتق المحارم تكن أعبد الناس".
ومن الأعمال الروحية ما هو مختص بعضو واحد، كاللسان، الذي يقوم وحده بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والدعاء والاستغفار والتلاوة والصلاة على النبي، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومثل اليد التي يكتب بها المسلم العلم النافع، ويصافح بها المؤمنين، ويعمل بها في كسب العيش الحلال: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".
ومثل الرجل التي يمشي بها إلى بيوت الله، وإلى صلة الأرحام، وألوان الطاعات المختلفة، وكذلك سائر الجوارح.
ومن الأعمال الروحية ما هو مختص بالعقل، مثل التفكر في مخلوقات الله تعالى وآلائه، ومنها: الإنسان نفسه: (وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم، أفلا تبصرون).
ومثل ذلك: التدبر لكتاب الله: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب).
وكذلك التفكر في طلب العلم، وفهمه وهضمه، وحل معضلاته.
ومنها ما هو من أعمال القلب مثل: الإخلاص، والمحبة، والرجاء، والخشية، والتوكل، والزهد.. وغيرها من مقامات الصالحين.
ومن الضروري أن يعرف أن الأعمال كلها لا تقبل عند الله إلا بعمل قلبي أساسي وهو النية المجردة لله تعالى، بأن يؤدى العمل خالصا له، وابتغاء وجهه ومرضاته، كما قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء).
ومع هذا التنوع الرحب في الأعمال، فهي ليست في درجة واحدة، فهي متفاضلة تفاضلا كبيرا، فالنوافل دون الفرائض، وفرائض الكفاية دون فرائض العين، وفرائض العين المتعلقة بحق الفرد، دون الفرائض المتعلقة بحق الجماعة.
والأعمال المقصور نفعها على صاحبها مثل الصلاة والصيام والحج والعمرة، ليست كالأعمال التي يتعدى نفعها إلى الغير، وكلما اتسعت دائرة المنفعة بالفعل كانت قيمته أرفع ومثوبته أكبر.
ولهذا كان الجهاد في سبيل الله "ذروة سنام الإسلام" لما وراءه من درء الخطر عن أمة الإسلام وإعلاء لكلمة الله، وحماية لدعوة الله، ومن هنا كانت "الشهادة في سبيل الله" أعلى وأفضل ما يتمناه مسلم لنفسه، فعن سعد بن أبي وقاص: أن رجلا جاء إلى الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فقال حين انتهى إلى الصف: اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين! فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال: "من المتكلم آنفا؟" فقال الرجل: أنا يا رسول الله. قال: "إذن يعقر جوادك وتستشهد [في سبيل الله]".
وقد رأينا فقيها محدثا مجاهدا كبيرا مثل الإمام عبدالله بن المبارك يكتب إلى صديقه وأخيه في الله العابد الزاهد الرباني: الفضيل بن عياض، وهو أرض الرباط والجهاد، والفضيل في رحاب الحرمين ينتقل بين مكة والمدينة عابدا متبتلا، فأرسل إليه بقوله:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب!
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
إن ساحة العمل الروحي فسيحة، وأنواعها كثيرة، ولكن المؤمن البصير هو الذي يتخير منها ما يناسب حاله.
فلا ينبغي للغني أن يجعل أكبر همه في التعبد لله تعالى بصيام الاثنين والخميس، أو بصيام داود عليه السلام الذي كان يصوم يوما ويفطر يوما، غافلا عن أن العبادة اللائقة به قبل كل عبادة هي إنفاق المال في سبيل الله.
ولا ينبغي للطبيب أن يتعبد لله بالوعظ والإرشاد، وحوله من مرضى المسلمين من يحتاج إلى من يعالجه من أشد الأمراض فتكا، ومن يحرره من ربقة الأطباء المتاجرين بأسقام البشر، والمستغلين لضرورات الخلق.
ولا ينبغي للإمام أو الحاكم أن يتعبد لله بالحج والعمرة كل عام، وهو مهمل لأمر رعيته، غافل عن إعطاء كل ذي حق حقه، وعن تأديب الفجار والمتعدين لحدود الله.
وهكذا يجب أن نعلم أن أفضل العبادة بالنسبة لكل إنسان ما كان أليق بحاله وألصق بمقدرته ونعم الله تعالى عليه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مجد
نائب المدير
نائب المدير
مجد


الدولة : سورية
ذكر
عدد المساهمات : 8337
العمل/الترفيه مصورفيديو & طالب تقنيات حاسوب
المزاج تــعــبــان
تعاليق : خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Icon26خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Icon26خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Icon26
خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Maas-63ad540140
خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام 389565
خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام 389571
خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام FP_18
خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام FP_13
خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام FP_18
خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Fp_21

MMS خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام 02b2add13a

خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام   خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام I_icon10الثلاثاء نوفمبر 30, 2010 5:43 am

خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام 634204
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://soran.roo7.biz
 
خصائص الحياة الربانية أو الروحية في الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» خصائص الانسان ؟؟؟
» السواك بين الطب و الإسلام
» شيخ الإسلام ابن تيمية
» فاكهة حرمها الإسلام
» حرية المرأة في ظل الإسلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات صوران  :: اسلاميات :: القسم الأسلامي-
انتقل الى:  
الساعة الأن بتوقيت (سوريا)
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات صوران
 Powered by ®https://soran.roo7.biz
حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010