منتديات صوران
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات صوران

ثقافي اجتماعي منوع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 حقوق العلم على أصحابه

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبد الرزاق
مشرف
مشرف
عبد الرزاق


الدولة : سورية
ذكر
عدد المساهمات : 761
العمل/الترفيه مدرس . المطالعة
المزاج

حقوق العلم على أصحابه Empty
مُساهمةموضوع: حقوق العلم على أصحابه   حقوق العلم على أصحابه I_icon10الإثنين نوفمبر 29, 2010 2:09 pm


]الفقه وحسن الفهم

أول حقوق العلم على طالبه أو صاحبه: أن يبذل فيه جهده، حتى يحكمه ويتقنه ويهضمه، وينتقل به من مرتبة "العلم" إلى مرتبة "الفقه". الفقه بالمعنى القرآني والنبوي لا بالمعنى الاصطلاحي، الذي معناه تحصيل علم الفروع على مذهب من المذاهب.
والفقه بهذا المعنى المنشود أخص من العلم، لأن معناه لغة: الفهم والتفطن وحسن الإدراك، ومقتضى هذا ألا يقف عند الظواهر، وإنما يغوص إلى المقاصد، وألا تشغله الألفاظ عما وراءها من معان، وألا تغرقه الجزئيات فينسى الكليات.
والقرآن طلب منا النفير للتفقه في الدين لا لمجرد التعلم، فقال تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين).
والحديث النبوي المتفق عليه يقول: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين".
وأول مراتب هذا الفقه: أن ينتقل من الرواية إلى الدراية، من الحفظ إلى الفهم، فيفهم عن الله ورسوله مرادهما، ويسأل أهل العلم ويحاورهم حتى يفهم ويفقه.
وقد قال سلفنا: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما هو نور يقذفه الله في القلب.
وفي الحديث الشريف: "رب حامل فقه ليس بفقيه".
وفي القرآن الكريم قد صور لنا الذي يحمل العلم ولا يفقهه ولا يفهم أسراره، بالحمار الذي يحمل نفائس الأسفار (أي الكتب) ولا يدري عما تحتويه شيئا، وهذا ما وصف به القرآن اليهود في عصر النبوة حين قال: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا).
أخذ هذا المعنى شاعر مسلم، فوصف به الذين يحملون العلم ولا يعون مقاصده، ولا يغوصون فيه، فقال:
زوامل للأسفار لا علم عندهم
وفي حديث الصحيحين عن أبي موسى تشبيه العالم الفاهم المعلم بالأرض الطيبة التي قبلت الماء الذي نزل عليها من السماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وانتفع الناس بها، كما شبه العالم الراوي بالأرض التي لم تقبل الماء، ولكنها احتفظت به، فشرب الناس منه، وسقوا وزرعوا، ففرق الحديث بين العلماء الوعاة، والعلماء الرواة، ومن هنا ركز علماء السلف على الدراية أكثر من الرواية.
إن آفة كثير من المشتغلين بعلم الدين خاصة هو "الحرفية" في فهم نصوصه، وجمودهم على ظواهر ألفاظه، وعدم وقوفهم على أسراره، لأنهم دون هذه المرتبة بحكم مؤهلاتهم العقلية والنفسية، ولكن مشكلتهم أنهم يضعون أنفسهم في زمرة "الأئمة"، ويتصدرون الصفوف للدعوة، والتعليم والإفتاء!
وهؤلاء عادة يعوقون عملية التغيير المطلوب، ويقفون عقبة في طريق الإصلاح والتجديد الإسلامي، وكثيرا ما شكا منهم المجددون الأصلاء أمثال ابن تيمية وابن القيم قديما، وأمثال محمد عبدة، ورشيد رضا حديثا.
ولقد رأيناهم أشد على دعاة التجديد والإصلاح من "العلمانيين" وخصوم الدين في بعض الأحيان، وقديما قالوا: عدو عاقل خير من صديق أحمق.

حقوق العلم على أصحابه Rule-1
الترقي عن التقليد
وثاني مراتب الفقه المطلوب: أن يرقى طالب العلم عن التقليد للغير، إلى الفهم المستقل، وأن يفكر برأسه هو لا برأس أحد سواه، حيا كان أو ميتا، فإن الله منحه العقل ليتفكر به ويتدبر، لا ليجمده ويعطله.
وقد قال الإمام ابن الجوزي كلمة مضيئة ينبغي أن نعيها ونرويها لتحفظ، قال في ذم التقليد والمقلدين في كتابه "تلبيس إبليس": "اعلم أن المقلد على غير ثقة فيما قلد، وفي التقليد إبطال منفعة العقل، لأنه خلق للتدبر والتأمل، وقبيح بمن أعطي شمعة أن يطفئها ويمشي في الظلمة"!
لقد شن القرآن حربا عنيفة على "المقلدين" الذين حقروا أنفسهم، وألغوا عقولهم، متبعين أجدادهم وآباءهم، أو سادتهم وكبراءهم، فيما اعتقدواه من عقائد، وما اعتنقوه من أفكار، وسفههم القرآن أبلغ تسفيه في سور عدة من القرآن المكي والمدني.
ويكفينا قوله تعالى في ذم تقليد الآباء: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون، ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء، صم بكم عمي فهم لا يعقلون).
وفي ذم تقليد الكبراء قوله سبحانه: (وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا).
وفي سورة الأعراف تتحدث الآية عن أهل النار، وتلاوم الأتباع والمتبوعين فيها وتلاعنهم: (كلما دخلت أمة لعنت أختها، حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار، قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون).
والتقليد ـ كما يعرفونه ـ أن تأخذ قول الغير بغير حجة بينة تؤيده، فربما لم تكن معه حجة قط، وربما كانت معه حجة واهية لا تقف أمام حجج من يعارضه. ومصدر ذلك: التعظيم أو التقديس لذلك الغير، أضفاه عليه المقلد التابع، فرضي لنفسه أن يكون ذيلا وقد خلقه الله رأسا، وأن يكون عبدا في فكره، وقد خلقه الله حرا.
واتباع الوحي ليس من التقليد في شيء، بعد أن ثبت بالبراهين العقلية القاطعة نبوة النبي، وإلهية القرآن، بعد ثبوت ربوبية الرب الخالق المعلم الأكرم، وثبوت إلهية الإله العليم الحكيم، الرحمن الرحيم، الذي ينافي حكمته ورحمته أن يدع خلقه هملا، ويتركهم سدى.
وبعد ثبوت الوحي بالقواطع العقلية، يعزل العقل نفسه ـ بتعبير الإمام الغزالي ـ ليتلقى الهداية الإلهية التي تصحح للعقل أخطاءه، وتهديه فيما ليس له إليه سبيل من الإلهيات والغيبيات، وتضع الموازين والضوابط فيما يحتاج إليه، وتدع له حق التفسير والتعليل فيما أنزل إليه، مهتديا بما بين له من ضوابط. وتطلق له العنان في اكتشاف ما في الكون وتسخيره، بعقل المؤمن، وتفكير المهتدي بهدى الله.
إن أشد شيء على العقل خطرا ـ بعد اتباع الهوى ـ هو التقليد الأعمى، الذي لا نزال نراه في حياتنا في صور شتى.
فهناك من باعوا عقولهم ـ أو تنازلوا عنها بغير ثمن ـ لغيرهم ممن يعظمونهم من القدماء أو المحدثين.
هناك من المشتغلين بالفقه من باعوا عقولهم أو تنازلوا عنها، لأئمتهم أو شيوخهم من السلف أو الخلف.
وهناك من المشتغلين بالكلام والعقائد من باعوا عقولهم أو تنازلوا عنها لأئمتهم أو شيوخهم من السلف أو الخلف.
وهناك من المشتغلين بالسلوك والتصوف من باعوا عقولهم لأئمتهم أو شيوخهم، وتركوا أنفسهم بين أيديهم كالميت بين يدي الغاسل.
وفي مقابل هؤلاء نجد آخرين من المتغربين، باعوا عقولهم أيضا أو تنازلوا عنها بغير ثمن لأئمتهم وشيوخهم في الغرب!
دعاة "الليبرالية" باعوا عقولهم لأئمة اليبراليين! طالبين منا أن نتبعهم في الخير والشر، والحلو والمر، وما يحمد وما يعاب.
ودعاة "الماركسية" ـ التي هزمت في عقر دارها ـ باعوا عقولهم لشيوخ الماركسية وأئمتها، وطالبونا أن نتخذ فلسفتها مصدرا للهداية والتشريع.
وكل دعاة الأيديولوجيات والفلسفات الوضعية المختلفة باعوا لها عقولهم، ودعونا أن نلغي عقولنا معهم، لنتبع مناهجهم وأهدافهم شبرا بشبر، ولم يحاول هؤلاء ولا أولئك أن يحرروا عقولهم من التبعية، وأن يمتحنوا مذاهب أئمتهم، وأفكار سادتهم وكبرائهم، ويعرضوها على قواطع العقل، وثوابت الوحي، ليعرف صحيحها من زيفها، وجيدها من رديئها، وحقها من باطلها، فيهتدوا بالحق، ويعرضوا عن الضلال (فماذا بعد الحق إلا الضلال)؟
لا يجوز للغرباء أن يتحكموا في أهل الدار، ولا ينبغي للأموات أن يحكموا الأحياء، وأن يفتوا في أخص أمورهم، وهم في بطون قبورهم!

حقوق العلم على أصحابه Rule-1
العمل بالعلم
ومن حق العلم على صاحبه: أن يعمل بموجبه، فالعلم بالعبادات يقتضي أن يؤديها على وجهها، مستوفية شروطها وأركانها، خالصة لوجه الله تعالى. والعلم بالمعاملات يقتضي أن يقوم بها في حدود الحلال، بعيدة عن الحرام، مستكملة الشروط والأركان، والعلم بالأخلاق يقتضي أن يتحلى بفضائلها ويتخلى عن رذائلها، والعلم بطريق الآخرة، يقتضي أن يعد لها عدتها، ويسعى لها سعيها، ويحذر من قواطع الطريق التي تعمل على أن تثبط إرادته، وتعوق حركته.
وبهذا يكون العلم حجة له، لا حجة عليه، ويستطيع أن يجد للسؤال جوابا إذا سئل يوم القيامة "عن علمه: ماذا عمل فيه"؟
فعن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره: فيم أفناه؟ وعن علمه" فيم فعل فيه؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه: فيم أبلاه؟".
ولا يكون كذلك العالم الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها، وأخلد إلى الأرض، واتبع هواه، فضرب الله مثلا بالكلب في أسوأ صورة له: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث).
وإنما ينتصر الدين، وترتقي الدنيا، بالعلماء العاملين، الذين يؤيد عملهم علمهم، وتصدق أفعالهم أقوالهم، فهم يؤثرون في الناس بسلوكهم وحالهم، أكثر مما يؤثرون بكلامهم، ولهذا قيل: حال رجل في ألف رجل، أبلغ من مقال ألف رجل في رجل!
وإن من شر ما تبتلى به الحياة، ويبتلى به الناس: العالم الذي يناقض عمله علمه، ويكذب فعله قوله، فهو فتنة لعباد الله، وهو الذي حذر القرآن من أهل الإيمان: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
ووبخ القرآن بني إسرائيل بقوله: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون).
ولا غرو أن استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من العلم الذي لا ينفع، فعن زيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها".
وعن أسامة بن زيد: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه (أي تخرج أمعاؤه من مكانها)، فيدور بها، كما يدور الحمار برحاه، فتجتمع أهل النار عليه، فيقولون: يا فلان، ما شأنك؟ ألست كنت تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف، ولا آتيه، وأنهاكم عن الشر وآتيه"!
قال أسامة: وإني سمعته ـ عليه الصلاة والسلام ـ يقول: "مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون"!
وصور النبي صلى الله عليه وسلم العالم الذي ينفع الناس بعلمه ولا ينتفع به تصويرا بليغا، حين قال: "مثل الذين يعلم الناس الخير وينسى نفسه، كمثل الفتيلة (يعني: السراج، أو الشمعة) تضيء للناس، وتحرق نفسها"!
وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان"!
وسر هذا الخوف: أن هذا المنافق مزوق الظاهر، خرب الباطن، حلو اللسان، مر العمل، فهو يغر الناس بظاهر علمه، ويسحرهم بمعسول كلامه، وقلبه خاو من اليقين، فالمنافق الجاهل ليس من ورائه خطر يذكر، إنما الخطر في هذا المنافق العليم اللسان.
وعن عمر بن الخطاب قال: حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل منافق عليم اللسان.
ولهذا كان عمر كثيرا ما يستعيذ بالله من المنافق العليم، وقد سئل: كيف يكون منافقا وعليما؟ قال: عالم اللسان جاهل القلب.
وقال علي بن أبي طالب: قصم ظهري رجلان: جاهل متنسك، وعالم متهتك، ذاك يغر الناس بتنسكه، وهذا يضلهم بتهتكه!

حقوق العلم على أصحابه Rule-1
تعليم العلم ونشره في الناس
ومن حق العلم على العالم: أن يعلمه للآخرين، فقد علمنا الإسلام أن في كل نعمة زكاة، فإذا كانت زكاة المال أن تنفق منه للمحتاجين، فإن زكاة العلم أن تعلمه للآخرين، وهذا هو شأن "الربانيين" الذين ذكرهم الله في كتابه بقوله: (ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون).
ولهذا قالوا: الرباني هو من يتعلم، ويعمل، ويعلم.
ورووا عن المسيح قوله: من علم وعمل وعلم فذاك يدعى عظيما في ملكوت السماء!
وفي الصحيح: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".
ولقد تعلمنا من القرآن: أن الله تبارك وتعالى هو المعلم الأول لخلقه، فهو الذي (علم الإنسان ما لم يعلم)، (الرحمن علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان)، وهو الذي علم أنبياءه ورسله ليعلموا أممهم، فعلم آدم الأسماء كلها، وعلم إبراهيم، وعلم يعقوب، وعلم يوسف من تأويل الأحاديث، وعلم موسى، وداود وسليمان والمسيح، وعلم محمدا ما لم يكن يعلم.
وكان هؤلاء الرسل معلمين لأقوامهم، مبلغين عن ربهم، مبشرين ومنذرين، وآخرهم محمد، الذي ذكر الله رسالته في أربع آيات من كتابه يبين فيها أن مهمته الأساسية مهمة تعليمية، ويكفي أن نقرأ منها قوله تعالى: (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون).
وقال عليه الصلاة والسلام عن نفسه: "إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني معلما ميسرا".
فمن أراد أن يتصف بصفة من صفات الله تعالى، وأن يتأسى برسوله الكريم، فليعلم الآخرين.
فعن أبي أمامة قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم"، ثم قال: "إن الله وملائكته، وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير".
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها".
والحسد يطلق ويراد به تمني زوال النعمة عن المحسود، وهذا حرام ما لم يكن يستخدمها في معصية الله، ويطلق ويراد به: الغبطة، وهو: أن يتمنى أن يكون مثله، وهذا لا بأس به، وهو المراد هنا.
وقال تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).
فهم يتفقهون في الدين لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، والإنذار: تعليم وإرشاد مقرون بالترغيب والترهيب.
وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على أن يبلغوا عنه كل ما يأخذونه عنه من قرآن أو حديث.
وروى عنه عبدالله بن عمرو: "بلغوا عني ولو آية".
وروى عنه ابن مسعود: "نضر الله امرءا سمع منا شيئا، فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع".
وروى عنه جبير بن مطعم: "نضر الله عبدا سمع مقالتي، فحفظها ووعاها، وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
نبه الحديث على أن حامل العلم قد يحفظه ولكنه غير قادر على الاستنباط منه، فهو ينقله إلى غيره ممن هو أفقه وأقدر على استخراج الحكم منه. فيشاركه في الأجر.
وكل من علم العلم أو بلغه ونشره، فله أجر من انتفع به، إذا صحت بذلك نيته، وابتغى وجه الله فيه، فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم".
وقال عليه الصلاة والسلام: "على خلفائي رحمة الله" قيل: ومن خلفاؤك؟ قال: "الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله".
وهكذا مضى الربانيون من علماء الأمة هداة معلمين، لا يضنون بعلم على من طلبه، بل يكرهون أن يحيوا ولا يستفيد منهم أحد.
قال عطاء: دخلت على سعيد بن المسيب، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قال: ليس أحد يسألني عن شيء!
وقدم سفيان الثوري عسقلان، فمكثت أياما لا يسأله إنسان. فقال: اكروا لي لأخرج من هذا البلد، هذا بلد يموت فيه العلم!
وقال الحسن: لولا العلماء لصار الناس مثل البهائم! أي أن العلماء يخرجونهم بالتعليم من حد البهيمية إلى حد الإنسانية.
وقال يحيى بن معاذ: العلماء أرحم بأمة محمد من آبائهم وأمهاتهم، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا، وهم يحفظونهم من نار الآخرة.

حقوق العلم على أصحابه Rule-1
وجوب البيان وتحريم الكتمان
وكما يحرم على الإنسان أن يقول ما لا يعلم في دين الله، فإنه يحرم عليه أن يكتم ما يعلم، مما ينفع الله به الناس من البينات والهدى، فإن زكاة العلم ـ كما ذكرنا ـ نشره وبثه، لا كنزه وحبسه.
قال تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم، وأنا التواب الرحيم).
والآيتان نزلتا في شأن أهل الكتاب من أحبار اليهود ورهبان النصارى، الذين كتموا صفات النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم، بالحذف أو الإخفاء، أو التحريف. ولكن اللفظ عام يشمل كل من كتم من دين الله علما يحتاج إلى بثه.
فلا يجوز للعالم بحال أن يقصد إلى كتمان العلم النافع، ومن قصد ذلك فهو عاص آثم، وإذا لم يقصد إلى الكتمان وكان في الناس من يقوم بواجب البيان والتبليغ والدعوة، فقد رفع عنه الإثم، فإن البيان فرض كفاية إذ قام به البعض سقط الحرج عن الباقين، وهذا إذا كان عدد المبلغين والدعاة من الكفاية بحيث تكون منهم "أمة" أي جماعة وقوة، كما أمر الله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون).
ويتعين البيان على العالم إذا سأله يسترشد عن أمر من أمور دينه، ولا يحل له الكتمان هنا، اتكالا على غيره، حتى لا يضيع المسلم بين هذا وذاك.
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار".
ذلك أن من حق السائل المتعلم على العالم أن يجيبه ويعلمه، ما لم يكن متعنتا ولا متنطعا، يتتبع الغرائب وأغلوطات المسائل، فقد ورد النهي عن هذه الأغلوطات، وأدب عمر سائلا عرف بذلك.
كما يحرم على العالم المسلم السكوت عن البيان العلمي باللسان أو القلم إذا ترتب على سكوته التباس الحق بالباطل، واشتباه الحلال بالحرام، واختلاط المعروف بالمنكر، فيلزمه هنا البيان، إزالة للبس، وإيضاحا للحق، فإن البيان هنا من باب الشهادة التي يحرم كتمانها: (ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه).
وقد ضرب القرآن لنا مثلا بعلماء السوء من اليهود والنصارى الذين كتموا ما أنزل الله، ابتغاء عرض الدنيا فلعنهم الله، ليكون ذلك لنا عبرة، قال تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون)، وقال سبحانه: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، فما أصبرهم على النار).
إن في هذا الوعيد الشديد لتذكرة لمن يلبسون لباس العلماء، من الذين يجارون الملوك الفاسقين والرؤساء الظالمين، ويكتمون الحق وهم يعلمون، فكيف بالذين يحلون لهم الحرام، ويسقطون عنهم الفرائض، ويمدونهم بالفتاوى الجاهزة لكل بدعة يبتدعون، وكل منكر يقترفون؟

حقوق العلم على أصحابه Rule-1
الوقوف عند ما يعلم
ومن حقوق العلم على العالم: أن يقف عند حدود علمه، ولا يتطاول إلى ما ليس من شأنه، ولا في طاقته. كالعلم بكنه الذات الإلهية، فإن الإنسان قد عجز عن معرفة كنه نفسه، فكيف يطمع في معرفة كنه ربه عز وجل؟ وقد قال تعالى: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما).
وكذلك معرفة الغيب المطلق الذي استأثر الله بعلمه: (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله).
ومن ذلك: علم الساعة الذي لم يطلع الله عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عنها: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"، وقال تعالى: (يسألك الناس عن الساعة، قل إنما علمها عند الله).
وأولى بالإنسان أن يدخر طاقته العقلية ليبذلها فيما يستطيعه، وفيما يعود عليه بالخير في دينه ودنياه.
فيجب على العالم المسلم إذا سئل عما لا يعلم، أن يقول: لا أعلم. فليس في العلم كبير، وفوق كل ذي علم عليم، وليس هناك من أحاط بكل شيء علما غير الله سبحانه، وكل بشر يعلم شيئا وتغيب عنه أشياء، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء، فلم يجب عنها حتى نزل عليه الوحي.
وقال ابن مسعود: إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون!
وقال غيره: من قال: "لا أدري" فقد أجاب. ومن أخطأ قول: "لا أدري" أصيبت مقاتله!
وكم سئل من كبار الأئمة ـ مثل الإمام مالك ـ فلم يستنكف أن يقول: لا أدري.
وكان الصحابة إذا استفتوا أحال كل منهم السائل على صاحبه، خشية من تبعة الفتوى.
وكان ابن عمر يتهيب الفتوى، ويقول لمن سأله: اذهب إلى الأمير فاسأله. ويقول لصاحبه: أتدري ماذا يريد هؤلاء؟ يريدون أن يتخذوا ظهورنا جسورا إلى جهنم!
وبكى بعض علماء السلف، فسئل في ذلك، فقال: استفتى اليوم من لا علم عنده!
فكيف لو شاهد عصرنا، ورأى من يستفتون، ومن يفتون؟!
ولقد ابتلينا في عصرنا ببعض المجترئين الذين استباحوا حمى الشريعة، وأمسوا يحللون ويحرمون، ويوجبون ويسقطون، ويبدعون ويفسقون، بل يكفرون، لمجرد أنهم قرؤوا بعض الكتب لبعض العلماء وفي بعض العلوم، ولم يعيشوا جو العلم، ولا طلبوه من شيوخه، ولم يتقنوا أدواته، ولم يملكوا مفاتيحه، ومع هذا أفتوا في أعوص المسائل، وحكموا في أغمض القضايا، واعترضوا على أكابر العلماء، وطعنوا في أئمة المذاهب، وساووا رؤوسهم برؤوس الصحابة والتابعين، وقال قائلهم: هم رجال ونحن رجال!
وهذا هو الذي يؤذن بضياع الدين، وخراب الدنيا، كما في الحديث المتفق عليه: "إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعا من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".
وأشد الأمور خطرا: أن يفتي المرء فيما لا يعلمه ويستقينه من دين الله، فيحرم أو يحلل بغير بينة وبرهان من ربه، وهنا يكون الإثم على المفتى إذا كان المستفتي مخدوعا فيه، وإن كان عليه أن يتحرى ويبحث عمن يستفتيه في دينه، ويعلم منه شرع ربه.
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره، فقد خانه".
وفي عهد النبوة أصاب رجلا مسلما جراحة، ثم أصابته جنابة، فأفتاه بعض الناس بضرورة أن يغتسل، فعمل بفتواهم، فتفاقم جرحه، فمات منه. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال منكرا عليهم: "قتلوه، قتلهم الله! هلا سألوا إذا لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه".
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قتلوه، ودعا عليهم بقوله: "قتلهم الله!" فدلنا هذا على أن من الفتاوى ما يقتل، وليس كل القتل قتلا ماديا، لعل القتل المعنوي أشد خطرا من المادي، وأخطر منه قتل الجماعة، وإزهاق روحها بالفتاوى الجاهلة.
[/size]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو غازي
المراقب العام
المراقب العام
أبو غازي


الدولة : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 3966
العمل/الترفيه ليرة - رياضة
المزاج رايق

حقوق العلم على أصحابه Empty
مُساهمةموضوع: رد: حقوق العلم على أصحابه   حقوق العلم على أصحابه I_icon10الإثنين نوفمبر 29, 2010 4:28 pm

أستاذ عبد الرزاق مواضيعك متميزة دائماً مشكور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/mohammad.g.alobaidy
عبد الرزاق
مشرف
مشرف
عبد الرزاق


الدولة : سورية
ذكر
عدد المساهمات : 761
العمل/الترفيه مدرس . المطالعة
المزاج

حقوق العلم على أصحابه Empty
مُساهمةموضوع: رد: حقوق العلم على أصحابه   حقوق العلم على أصحابه I_icon10الإثنين نوفمبر 29, 2010 7:23 pm

تلاميذك نحنا أستاذنا الغالي حقوق العلم على أصحابه 333104
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أبو غازي
المراقب العام
المراقب العام
أبو غازي


الدولة : مصر
ذكر
عدد المساهمات : 3966
العمل/الترفيه ليرة - رياضة
المزاج رايق

حقوق العلم على أصحابه Empty
مُساهمةموضوع: رد: حقوق العلم على أصحابه   حقوق العلم على أصحابه I_icon10الإثنين نوفمبر 29, 2010 7:41 pm

تسلم كلك ذوق ولطف :ئئ:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://www.facebook.com/mohammad.g.alobaidy
 
حقوق العلم على أصحابه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات صوران  :: القسم العام :: نقاشات ساخنة-
انتقل الى:  
الساعة الأن بتوقيت (سوريا)
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات صوران
 Powered by ®https://soran.roo7.biz
حقوق الطبع والنشر©2011 - 2010