من
المعروف أن النحو العربي القديم قد فرق بين نوعين من أدوات الاستفهام:ــ
حروف الاستفهام واسماء الاستفهام، ولكل منهما خصائصه الصرفية والتركيبية
والدلالية .فالاسم من الناحية الصرفية سواء كان مبنيا أو معربا, يستحق
علامة إعرابية تضبط وظيفته داخل الجملة.فإذا قلنا:من ضربت؟)، ف(من )هنا
مكان المفعول به المقدر, وهي تستحق النصب. أما إذا قلنا: (من جاء؟)،
ف-من-هنا فاعل أو مبتدأ، وتستحق الرفع. وهذه الخصائص هي التي تجعلنا نفصل
بين الاسم والحرف.
وهناك ايضا خصائص دلالية تميز بين حرف الاستفهام واسمه, والفرق بينهما عند النحاة العرب القدامى نوعان:
استفهام تصوري/واستفهام تصديقي.
الاول يكون بأسماء الاستفهام
والثاني بحروف الاستفهام. والتصوري يعني تصور الذات او الشخص الذي قام بفعل
من الافعال أو وقع عليه فعل ما، أو كان طرفا لوقوع هذا الفعل. نقول:من
جاء؟)،هذا استفهام تصوري لأننا نستخبر عن الشخص وليس عن المجيىء.
أما الاستفهام التصديقي الذي يكون
بحرف الاستفهام عموما، فانه ينصب على كل الجملة لا على جزء منها، اي على
الإسناد كله لا على المسند عليه فقط. نقول:أجاء زيد؟)، فنستخبر عن حدوث
المجيىء وعما إذا كان زيد هو الذي جاء
نستخلص مما ادرجنا أن استفهام التصور ينحصر في حيز اسم الاستفهام، بينما استفهام التصديق حيزه مطلق الاسناد.
والملاحظ من الناحية التركيبية أن
حرف الاستفهام واسمه يوجدان في علاقة, فاذا ظهر الحرف لا نجد الاسم والعكس
صحيح. فلا يمكن ان نستفهم مرتين(أمن جاء؟؟)، (هل من جاء؟). وأسماء
الاستفهام يمكن أن توجد وسط الجملة خلافا لما جاء به النحاة العرب القدامى
الذين قالوابأن اسماء الاستفهام تتصدر دائما الجمل. نعتبر أن هذا التصور
خاطىء، فهناك مثلا ما يسمى بالاستفهام المتعدد، وهو استفهام لم يتحدث عنه
القدامى، ولكنه موجود في اللغة العربية، اذ يمكنك أن تستفهم عن أكثر من
مكون فتستعمل بذلك أسماء استفهام متعددة .مثلا:من ضرب من؟)،(من اكل
ماذا؟)،(من ضرب من بماذا؟)، حيث -من- الاولى هي فاعل تنتقل إلى صدر الجملة
بواسطة قاعدة النقل .-من- الثانية و-بماذا- لا يمكن نقلهما إلى صدر الجملة .
إذن فهذه البنية في الاصل ترى أن
اسم الاستفهام يكون داخل الجملة وينتقل خارجها، وهذه الخاصية لا يملكها حرف
الاستفهام، فلا يمكننا أن نقول مثلا:جاء أ زيد؟). ثم إن هناك استفهام
الصدى، تقول:جاء زيد.)، فيرد المستمع(جاء من؟)،فيحصل تكرار الجملة الخبرية
بجملة استفهامية، ونضع اسم الاستفهام في مكانه الاصلي داخل الجملة
الخبرية.وهذا الاستفهام موجود في لغات كثيرة غير ان النحاة لم يتحدثوا عنه.
كيف ترى النظرية التوليدية
/التحويلية لصاحبها تشومسكي مسألة حروف الاستفهام؟؟ إن حروف الاستفهام لا
تكون في وسط الجملة وانما في صدرها قبل الفعل او الاسم، ففي بعض الحالات
نقول:أزيد ضرب عمروا؟)، أو(هل جاء زيد؟)، ولا نقول:زيدا أ ضربت؟)(جاء هل
زيد؟).
هذا الاقتراح دفع اللغويين
الدوليين الى القول إن لحروف الاستفهام مكانا خاصا بها في صدر الجملة تولد
فيه مع حروف اخرى كحروف التوكيد مثلا. والقاعدة التي تضبط هذه الحروف هي
جّ----(مص=يعني المكان)ج. ويتم ملؤه معجميا في البنية العميقة فنقول=(أأكل
زيد؟)،(هل اكل زيد؟)،(ان زيدا اكل).
هذا الافتراض التوليدي يتناقض مع
ما قاله النحاة العرب بأن حروف الاستفهام وأدواته لها الصدارة في الكلام،
غير ان المبتدأ كذلك يكون في صدر الكلام. إن حرف الاستفهام لا يكون في صدر
الكلام وإنما في صدر الجملة فقط، كما في الاستفهام المباشر (لا أدري هل جاء
زيد؟), فالحرف هنا في صدر الجملة المدمجة وليس في صدر الكلام.
قول النحاة يجعلنا نتساءل: "أين
نضع اسم الاستفهام ؟هل قبل المبتدا أم بعده؟"، إن هذه القضايا وغيرها
تجعلنا نشكك في مفهوم( صدر الكلام ) والقول انه غير صالح لوصف الرتبة في
اللغة العربية. إن تجاهل النحاة كذلك,لا ستفهام الصدى الذي يوجد في لغة
الخطاب اليومي العربي، يعود إلى اهتمامهم بلغة الخطاب الشعري. أما
الاستفهام المتعدد فقد تجاهلوه لأنه يطعن في أصل من أصولهم وهو أن
الاستفهام له صدر الكلام، والاستفهام الثالث الذي لم يتحدث عنه النحاة هو استفهام النبرintonation الموجود في عدد كبير من اللغات الطبيعية