لما قدم سعد بن أبي وقاص القادسية أميراً
أتته حرقة بنت النعمان بن المنذر في جوار في مثل زيها، تطلب صلته،
فلما وقفن بين يديه، قال: أيتكن حرقة؟ قلن: هذه، قال: أنت حرقة؟
قالت: نعم، فما تكرارك استفهامي؟
إن الدنيا دار زوال وإنها لاتدوم على حال، تنتقل بأهلها انتقالاً،
وتعقبهم بعد حال حالاً، إنا كنّا ملوك هذاالمصر قبلك،
يجبى إلينا خرجه، ويطيعنا أهله، مدة المدة وزمان الدولة،
فلما أدبرالأمر وانقضى، صاح بنا صائح الدهر،
فصدع عصانا وشتت ملأنا،
وكذاكالدهر يا سعد، إنه ليس من قوم بحبرة إلا والدهر معقبهم عبرة،
ثم أنشأت تقول:

فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصف

فأف لدنيا لا يدوم سرورها

تقبل تاراتٍ بنا وتصرف

فقال سعد: قاتل الله عدي ب نزيد كأنه كان ينظر إليها حيث تقول:

إن للدهر صولة فاحذرنها

لا تبين قد أمنت الشرورا

قديبيت الفتى معافىً فيرزاً

ولقد كان آمناً مسرورا

وأكرمها سعد وأحسن جائزتها

فلما أرادت فراقه،

قالت: حتى أحييك تحية أملاكنا بعضهم بعضاً: لا جعل الله لك إلى لئيمٍ حاجة،

ولا زال لكريم عندك حاجة،

ولا نزع من عبد صالح نعمة إلا جعلك سبباً لردها عليه.

فلما خرجت من عنده تلقاها نساء المصر فقلن لها: ما صنع بك الأمير؟

قالت:

حاط لي ذمتي وأكرم وجهي

إنما يكرم الكريم الكريما