فاجأ المسؤولون في وزارة الكهرباء جميع المحلّلين الاقتصاديين بعد إعلانهم
أن كلفة إنتاج الكيلو واط الساعي في سوريا تعادل 530 قرشاً سورياً، أي بما
يعادل أكثر من 300% من كلف الدول العالمية الأخرى، علماً أن المعضلة تزداد
تعقيداً حين معرفة السعر الذي تشتري به الوزارة الوقود اللازم لتوليد
الكهرباء.
حين يكون السكوت من ذهب أحياناً يدلي أحد المسؤولين بتصريح ويقدم
إحصائيات غير دقيقة، دون أن يدري بأن تصرفه هذا قد يؤدي إلى عواقب وأضرار
قد لا يتوقعها. ومن هنا دعونا نتطرق أولاً إلى موضوع حيوي يؤثر على كلفة
الطاقة الكهربائية في المنطقة كلها، وبالتالي يؤثر بشكل غير مباشر على
القطاع الاقتصادي، وخاصة الصناعي منه، والذي يعتمد بشكل كبير على الطاقة
الكهربائية، فضلاً عن تأثيره على فاتورة المواطن وقدرته الشرائية.
حين أقدم مسؤولو وزارة الكهرباء على التصريح بأن كلفة إنتاج الكيلوواط
الكهربائي في سورية تتجاوز الـ 5 ليرات سورية، ظناً منهم بأنهم يسدون
للحكومة صنيعاً، لأن من صرّح هذا التصريح أحب أن يوصل للمواطن فكرة مفادها
أن الحكومة تتحمل عبء دعم كلفة الإنتاج. لقد فات على هذا المسؤول أن الطاقة
الكهربائية أصبحت سلعة متداولة علناً في الأسواق العالمية ويمكن الاطلاع
على سعر الطاقة الكهربائية بشكل يومي، وقد يتغير في اليوم عدة مرات.
ويمكن للقارئ المجد أن يدخل إلى هذا الموقع الذي يعطي أسعار الطاقة حسب
آخر الأسعار العالمية:
www.bloomberg.com/energy ومنه، نلاحظ أن سعر الكيلو واط الكهربائي كان بتاريخ يوم الأربعاء 29
كانون أول (ديسمبر) 2010 يساوي 1.67 ليرة سورية، مرتفعاً بشكل حاد عن سعر
17 كانون الأول (ديسمبر) الذي كان يساوي 1.55 ليرة سورية بسبب ارتفاع سعر
البترول وتجاوزه 91 دولاراً للبرميل. وهذا السعر هو تعرفة بيع الجملة
لشركات إنتاج الكهرباء، والتي هي شركات رابحة أي أن هذا السعر يتجاوز
كلفتها مع تحقيق هامش ربح لها . وبالعودة للتصريح نجد أن كلفة الكهرباء في
سورية تم احتسابها وفقاً لأسعار مازوت وغاز وفيول تقل عن الأسعار العالمية.
فكيف تصل الكلفة بعد ذلك إلى أكثر من 312% من سعر الطاقة الكهربائية
العالمية؟ دعم الكهرباء وبالعودة إلى التصريح أيضاً، نجد أن هذا المسؤول
يقول إن كلفة دعم الطاقة الكهربائية وصلت إلى 95 مليار ليرة سورية! ولكن
إذا عرفنا أن سورية تنتج ما يعادل 38 مليار كيلو واط ساعي نجد أن سعر كمية
كافة ما تنتجه سورية بسعر الجملة العالمي للكهرباء يساوي 63 مليار ليرة
سورية، وأما بسعر المفرق السائد الوسطي السائد في الولايات المتحدة
الأميركية بالتعرفة الصناعية لعام 2010 يصل إلى 128 مليار ليرة سورية. فكيف
يكون الدعم بمقدار يتجاوز قيمة جميع الإنتاج بالجملة؟ وهنا لا بد أن نعود
ونذكر بمفهوم الدعم الذي تم الإساءة إليه في اقتصاديات العالم العربي.
فالدعم هو أن تدفع الحكومة قسماً من سعر سلعة ما حين يكون سعرها السوقي
العالمي أعلى من إمكانات المواطن.
أما أن نسمي دعماً أن يتم إنتاج شيء بثلاث أضعاف سعره العالمي، فهذا لا
يدخل تحت بند الدعم, بل يسمى هدر وسوء إدارة. ربما يحاجج البعض بأن
الكهرباء يتم بيعها بأقل من سعر التكلفة في الولايات المتحدة، أو أن
الكهرباء يتم إنتاجها بالطاقة النووية، لذا لا بد أن نشير أننا لجأنا إلى
المقارنة مع سعر الكلفة في الولايات المتحدة لأنه لا يوجد أحد يمكن أن يشكك
بأن سياسة السوق هي التي تحكم هناك، ولأن الولايات المتحدة لا تحمّل
الوقود ضرائب أكثر من 10%، لذا نجد أن أسعار كلفة الإنتاج هناك يتم حسابها
بسعر وقود وغاز قريب من السعر العالمي، إضافة إلى أن رواتب العاملين في
المحطات الكهربائية أعلى بكثير من رواتب المهندسين والعمال السوريين. إضافة
لذلك فإننا سنذكر هنا تكلفة عام 2008 وكلنا يذكر أن أسعار البترول في ذلك
العام اشتعلت ووصلت إلى 150 دولاراً للبرميل.
التدقيق في الأرقام يستوجب تدخل الرقابة المالية لم يكتف مسؤول الكهرباء
أن يدلي بتصريح عن كلفة الإنتاج، بل ليزيدنا حيرة حين تقدم بطواعية ببيان
كلفة فاتورته للوقود المستخدم. فهو احتسب الكلفة وفقاً لسعر الفيول 7900
ليرة سورية للطن، وسعر المازوت 25137 ليرة للطن، وسعر متر الغاز بـ 14.1
ليرة سورية. فكم كانت كلفة إنتاج الكهرباء في الولايات المتحدة في عام 2008
وفقاً للإدارة الأميركية لمعلومات الطاقة U.S Energy Information
Administration؟ لقد كان سعر طن المازوت الوسطي عام 2008 يساوي 915
دولاراً، أي ما يعادل 42958 ليرة سورية، وكان سعر الفيول الوسطي يساوي 760
دولاراً للطن أي ما يعادل 35720 ليرة سورية، وكان سعر المتر المكعب للغاز
يساوي 0.28 دولاراً أي ما يعادل 13.1 ليرة سورية، ويمكن التأكد من هذه
المعلومات بالدخول إلى الموقع الحكومي:
www.eia.gov/emeu/mer/prices. لقد
كانت الكلفة الوسطية التي تكبدتها مصانع إنتاج الكهرباء لإنتاج الكهرباء
باستخدام الفيول والمازوت تساوي 1.68 ليرة سورية شاملة تكاليف الوقود 1.33
ليرة، والصيانة maintenance والتشغيل operation. وهنا لا بد من السؤال عن
سبب ارتفاع كلف إنتاج الكهرباء في سورية، وهذا يلقي على عاتق الرقابة
المالية والجهات الرقابية الأخرى التدقيق في هذه الأرقام التي تدل على أن
هناك هدراً كبيراً وسوء إدارة تستوجب التدخل السريع لإعادة الأمور إلى
مجراها الطبيعي. وقبل هذا التصريح كان الأمر غير معلن، أما الآن فيتوجب على
مجلس الشعب أن يقوم بواجبه ويستقصي عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الكلفة
العالية، فلا يجوز أن يبقى مرفقاً بهذه الحيوية دون مساءلة.