ودعت ندوى وأولادها الثلاثة زوجها المصاب بمرض السرطان في الدم في مشفى
البيروني، وتقول وهي تغص بدموعها: (أؤمن بالقضاء والقدر لكن لا أعرف لماذا
تعجل موته هكذا، هل السبب اكتشافنا المرض متأخراً أم بسبب إهمالنا وعدم
الاهتمام بنا لأننا لا نعرف أحداً في المشفى فنحن من محافظة حماة؟ أم
إهمالنا بسبب كثرة المرضى الذين أراهم حولي ولا أدري هل أشفق على نفسي أم
عليهم؟).
انتشار المرض:
الأورام السرطانية نوعان أورام سليمة ندعوها
في أحاديثنا (ورم ذكر)، وأورام خبيثة نطلق عليها (ورم أنثى)، ولانتشار مرض
السرطان أسباب كثيرة منها عوامل بيئية وعوامل إشعاعية وعوامل متعلقة
بالتغذية كاحتواء بعض الأغذية على ملونات غير صحية وبعض الأصبغة أو أن تكون
الأغذية معالجة بشكل خاطئ هرمونياً أو معدلة وراثياً، أو تعرض المزروعات
للمبيدات الحشرية أو ريها بمياه الصرف الصحي، وقد تلعب الوراثة دوراً في
بعض الأورام وليس كلها، إذ اكتشف مؤخرًا دورها في الاستعداد للإصابة
بسرطانات الثدي والمبيض، بالإضافة للأسباب الفيروسية التي تشكل من (15-20
%) من أسباب الأورام مثل فيروسات التهاب الكبد التي تلعب دوراً بالإصابة
بسرطان الكبد، وهناك حمى تلعب دوراً في سرطان عنق الرحم، وقد يكون هناك
فيروسات تلعب دوراً في سرطانات معينة، ولم تكتشف بعد، والدليل كما يذكر
الأطباء أن هناك فيروسات اكتشف دورها بسرطان عنق الرحم منذ سنوات قليلة
فقط، وبالتالي من الممكن أن يكون هناك فيروسات لها دور في وجود المرض وهي
غير مكتشفة حالياً.
يقول الدكتور زياد مسلاتي مدير مديرية مكافحة
السرطان بأن (ثلث حالات السرطان يمكن الوقاية منها بثلاثة طرق أساسية وهي
إيقاف التدخين، التغذية الجيدة المتوازنة، والرياضة اليومية، ولو يدرك
الناس مدى تأثير هذه العوامل في الحد من انتشار المرض لفعلوها جميعاً).
ويشير
بأن تسمية هذا المرض بالسرطان أتت من تشبيه الورم بالسرطان البحري الذي
يقبض على الأشياء بأرجله الكثيرة وكلاباته حتى يصعب انتزاعه عنها، وهذا
يشير إلى صعوبة انتزاع الورم الخبيث عموماً.
إحصائيات التقرير الأول للسرطان:
أعلنت
وزارة الصحة في التقرير الوطني الأول للسرطان في سوريا، للفترة بين
العامين (2002 - 2007)، وذلك بالاستناد إلى معلومات السجلّ الوطني للسرطان،
المحدث في وزارة الصحة والذي يشمل مستشفيات وزارة التعليم العالي ومخابر
القطاع الخاص، بأنه بلغ عدد حالات السرطان المُكتشفة والمُسجَّلة عند
المواطنين السوريين وغير السوريين (73198)، وقد تمَّ تسجيل أكثر من (70 %)
منها في سجلات مستشفى البيروني الجامعي في دمشق، كما أوضحت البيانات أنَّ
ما يقارب من (20 %) فقط من الحالات يتمُّ اكتشافها في مراحل مبكّرة من
المرض، ولذلك نوّه وزير الصحة رضا سعيد أنه يجب قرع جرس الخطر لأن (80 %)
من الحالات يتم اكتشافها بوقت متأخر مما يعقد العلاج ويزيد حالات الخطر.
وأفاد
التقرير بأن متوسط المعدل العام للإصابة بمرض السرطان يتراوح بين (63)
و(75) حالة لكل مئة ألف من السكان وهي تعتبر نسبة منخفضة بالنسبة للتوقعات
العالمية، وذلك حسب منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية لأبحاث السرطان،
حيث إنه من المتوقع أن تكون النسبة بحدود (105) حالات لكل (100000) نسمة
من السكان، ويعود هذا المعدل للإحصائيات غير الصحيحة الصادرة عن وزارة
الصحة، وترى الوزارة أن سبب هذا المعدل هو إهمال بعض الأطباء والعيادات
الخاصة بالإبلاغ عن الحالات التي تُشخص لديهم.
السرطان الأكثر انتشاراً في سوريا:
بيّن
التقرير أنَّ أكثر السرطانات شيوعاً بين الرجال، هو سرطان الرئة، يليه
سرطان المثانة ثم الدم وسرطان البروستات، أما بالنسبة إلى النساء فيحتل
سرطان الثدي المرتبة الأولى ثم سرطان الدم ثانياً ثم الدرق، واحتل سرطان
القولون والمستقيم المرتبة الرابعة عند الذكور والإناث، وبالنسبة
للمحافظات، فكانت اللاذقية في المرتبة الأولى بنسبة الإصابة بمرض السرطان
بمعدل وسطي (108) حالات جديدة لكلِّ مئة ألف من السكان سنوياً، والسويداء
في المرتبة الثانية بمعدل وسطي (107)، ودمشق في المرتبة الثالثة بمعدل وسطي
(106)، وطرطوس في المرتبة الرابعة بمعدل وسطي (103)، ودرعا في المرتبة
الخامسة بمعدل وسطي (64)، ثم دير الزور والرقة وإدلب وحمص وحماة وحلب
والحسكة وريف دمشق.
ولكن؟
ولكن ما يكشفه التقرير الخاص بإطلاق السجل
الوطني للسرطان عدم التنسيق بين الوزارات المعنية بالمرض، فالتقرير المعلن
عنه يحوي إحصائيات السرطان لعام (2007) في حين حصلنا على الإحصائيات العامة
والتي ذكرتها إحدى الصحف السوريّة لجميع المحافظات السوريّة حتى نهاية عام
(2009) وعام (2010) من المراكز المتخصصة بالمرض التابعة للتعليم العالي
واللافت أن السجل المعلن في (2007) لا يضم إلا مرضى مستشفى البيروني فقط
دون غيره.
المشافي:
البيروني وهو المستشفى الأكبر لمعالجة
السرطان في سوريا سجل تعداداً في المرضى لنهاية عام (2009) نحو (13000)
حالة جديدة، وتبلغ المراجعات السنوية للمستشفى نحو (300) ألف حالة من مختلف
الأنواع، حيث يراجع المستشفى يومياً نحو (800) إلى (1200) مريض يتلقون
كامل علاجاتهم في الجراحية والشعائية والكيماوية.
وذكرت الإحصائيات
العامة أن مستشفى تشرين الجامعي باللاذقية استقبل قرابة (4421) حالة من
مختلف أنواع الأورام ومن مختلف المحافظات لعام (2010)، ومستشفى الكندي بحلب
استقبل في عام (2010) نحو (5860) حالة منهم (1772) حالة جديدة.
وبحسب
البيانات فإن توزع حالات مرض السرطان حسب السنوات والتي بلغت (73198) إصابة
كان كالتالي (مع الملاحظة أن الرقم الوارد في العام «2001» هو عن وزارة
الصحة رغم غرابته):
[111]
إحصائية (2008) تنشرها (أبيض وأسود):
آخر
إحصائية لمرضى السرطان في سوريا والتي تسنى لـ(أبيض وأسود) الحصول عليها
مؤخراً بعد الإعلان عن التقرير الوطني الذي تحدثنا عنه أعلاه، وهي كما
أفادتنا بها وزارة الصحة لعام (2008)م فقد بلغت حالات الإصابة بالمرض
(15107)، توزعت نسبها حسب الأكثر انتشاراً عند الذكور والإناث كالتالي:
[222]
هذه
الزيادة في أعداد مرضى السرطان ليست مقرونة بزيادة انتشار المرض فقط، ولكن
هي مقرونة أيضاً بازدياد حالات الإبلاغ عن المرض والتي لم تكن معروفة
مسبقاً، يقول الدكتور زياد مسلاتي:(عندما نعلن نتائج الإحصائيات وتكون
متزايدة فيجب أن نعلم أن عدد السرطانات يرتفع لأن هناك حالات لم تكن
مكتشفة، فعندما نقوم ببرامج الكشف المبكر فحالات كثيرة تظهر، مثلاُ سرطان
الثدي الأعداد تتزايد ولكن النتائج أفضل، صحيح أن هناك عوامل بيئية وتغذية
تسبب انتشار المرض ولكن برامج الكشف المبكر تهدف لإيجاد المرض في مراحله
المبكرة لإيجاد العلاج المناسب، مثلاً سرطان الثدي في البلاد الأوروبية
يُكتشف قطر الورم بالميلمترات للأسف نحن كنا نكتشفه عبارة عن كتل ثدي
ورمية، حالياً أصبحنا نكتشفه بالسنتميترات، ونتأمل من خلال الحملة التي
أطلقناها هذا العام أن نصبح قادرين على اكتشافه بالمليمترات).
الكشف المبكر يعطي (60 %) من نسب النجاح:
عندما
يُكشف الورم في المراحل البدائية يكون العلاج أفضل بكثير كما ذكر لنا عدة
أطباء مختصين بمعالجة الأورام في مشفى البيروني وفي وزارة الصحة، ويؤكدون
أن العلاج الجراحي للأورام الصلبة يعطي نتائج شفاء (60 %) مباشرة بسبب
الكشف المبكر فقط وهي نسبة عالية جداً بالتالي يكون العلاج الجراحي ناجحاً
وبكلفة قليلة.
بالإضافة للتشخيص الجيد والتقويم الصحيح لوضع المريض بشكل
كامل فهذا بدوره يؤثر في الحد من المرض، وبهذا الخصوص أطلقت مديرية مكافحة
السرطان ما يسمى بالخطة العلاجية للمريض الورمي، وهي فكرة عالمية، وتعني
ألا يستفرد طبيب بمعالجة ورم سرطاني، أي يجب أن يكون هناك خطة علاجية بين
الطبيب والمعالج الشعاعي والمعالج الكيميائي لكل مريض سرطان.
وبالنسبة
للحالات التي وصلت لمرحلة مستعصية فتقوم المديرية باتباع العلاج الملطف
الذي يساعد المريض على إمضاء وقت جيد مع أهله في مراحله الأخيرة، والعلاج
الملطف هو إجراء بروتوكولات علاجية ملطفة بالأدوية حيث تكون تحت إشراف طبي
بحيث تحدد الكميات مع دعم نفسي للمريض ولأهله.
الكادر ليس كافياً:
يؤكد
مرضى مشفى البيروني أن الدواء أصبح متوفراً للمرضى ولكن المشكلة الكبرى في
الضغط داخل المشفى حيث أعداد المرضى كبيرة، بالإضافة للنقص في الكادر يقول
مرافق أحد المرضى هناك: (المشفى يحتاج لضعف عدد الممرضات الموجودات، وفي
المناوبات الليلية أحياناً لا نجد سوى ممرضتين في جناح بكامله، وبالنسبة
للأطباء أيضاً أعدادهم لا تتناسب مع العدد الموجود مما يجعل الخدمة أدنى من
مستوياتها).
في حين يجيب الدكتور مسلاتي عن ذلك بقوله: (توفير العلاج
في المحافظات الأخرى سيخفف العبء عن البيروني بالتالي سيكون مستوى الأداء
أفضل وعند تخفيض عدد المرضى ستكفي الكوادر الموجودة).
وهناك مشكلة أخرى
يذكرها المرضى وهي ترك الإشراف على المرضى وبعض طرق المعالجة بيد طلاب
الدراسات وهذا المرض لا يتحمل أي خطأ في المعالجة، وكل من الطلاب أو
الأطباء يلقي المسؤولية على الآخر في الحالات الخطرة.
العلاج الكيميائي في بقية المحافظات:
قامت
وزارة الصحة بتشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة السرطان وذلك من أجل وضع دراسة
شاملة ورسم السياسات للتصدِّي للأورام السرطانية، من خلال البرامج
الوقائية والعلاجية، بمشاركة جميع الأطراف من مستشفيات ومؤسسات ومنظمات
حكومية وغير حكومية، والاستفادة من جميع الخدمات المتوافرة، وتشجيع
الدراسات البحثية ووضع البروتوكولات الخاصة بالعلاج.
وذكر وزير الصحة
رضا سعيد أن الوزارة ستبدأ بتوفير العلاج الكيميائي في عدة المحافظات دمشق
وحلب وحمص، ولاحقاً سيتم تدريب الكوادر في محافظة حمص من أجل البدء بتقديم
الخدمات للمرضى فيها، بالإضافة لذلك سيتمُّ تحويل مرضى المحافظات السابقة
من مستشفى البيروني إلى هذه المحافظات.
يقول مسلاتي: (في حلب سنغطي
المنطقة الشمالية الشرقية للمرضى مما يخفف عبء الانتقال، وحمص ستغطي
المنطقة الداخلية والمنطقة الساحلية ريثما يتم تأهيل الشعب العلاجية في
مشافي المنطقة الساحلية والشمالية الشرقية).
بسمة تقدم الأكثر:
ما
تقدمه الجمعيات الأهلية في مساعدتها مرضى السرطان يوضح أن هذه الجمعيات
تسعى أكثر من بقية الوزارات المعنية نحو هدفها في تقديم الأفضل ومنها جمعية
بسمة المعروفة بدعمها لأطفال مرضى السرطان وفي هذا السياق أطلقت بسمة
حملتها لدعم الأطفال المصابين بالسرطان لعام (2011)، حيث أكدت رئيسة مجلس
إدارة الجمعية ميا أسعد أن جمعية بسمة مازالت مصرة على تحسين الواقع الطبي
لنحو (1500) طفل جديد يصاب بالسرطان في سوريا كل عام، حيث تمكنت الجمعية
خلال العامين الماضيين من تحقيق أول نموذج للشراكة والتعاون بين القطاع
الحكومي الصحي وجمعية بسمة وذلك للاستفادة من موارد وقدرات الطرفين، وكان
النموذج الأول تشغيل أول وحدة تخصّصية لعلاج سرطان الأطفال في مشفى
البيروني.
وأكدت نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية شدن ناجي ذلك بقولها:
(سعينا في حملتنا إلى إشراك الجميع في تقديم الدعم لبسمة بهدف الوصول إلى
مختلف شرائح المجتمع، وبلغ عدد شركائنا لعام «2010» نحو «88» جهة عامة
وخاصة، مبيّنةً أن الجمعية أنفقت العام الماضي «71» مليون ليرة سوريّة،
وتتوقع إنفاق ما يقارب «85» مليون ليرة العام الجاري).
وتابعت: (أوجدنا
«28» طريقة من العطاء يستطيع من خلالها أي شخص مساعدة هؤلاء الأطفال، على
الأقل خلال شهر شباط، فهناك «80 %» من أطفال السرطان يستطيعون الشفاء من
مرضهم في حال توفرت فرص العلاج الصحيحة والكاملة).
وتُضيف: (مرضى
السرطان بشكل عام ينقصهم الكثير، فهناك نقص في التجهيزات، نقص في توفر
الدواء، نقص في الوعي، من المؤكد أن الوضع أفضل من السنوات السابقة لكن
مازال الوضع يحتاج للكثير، نتمنى أن نصل لمرحلة نقول أننا قمنا بتغيير جذري
لكن هذا التغيير يحتاج لمشوار طويل وبسمة لا تستطيع لوحدها تخديم كل أطفال
سوريا مهما فعلت، فالجميع معني بهذا الأمر).
فيما ذكرناه يتبين أن بقاء
العلاج مركزياً ومحصور بمشفى البيروني التابع لوزارة التعليم العالي هو
وضع غير مقبول وإرهاق للمرضى وللأطباء وللممرضين، ولكن نأمل ببدء تغيير
الوضع الذي صرحت عنه وزارة الصحة، ولكن الواضح أيضاً أن التنسيق بين وزارتي
الصحة والتعليم العالي لم يصل مستواه المطلوب، خاصة أن وزارة الصحة وهي
الجهة المخولة بإصدار السجل الوطني لمرضى السرطان تحاول تقديم العلاج في
مشافيها بما أنها تُشخص الإصابة بالمرض في مشافيها، كما يحدث في مشافي
وزارة التعليم العالي.
وما نلاحظه أن معدلات الإصابة بالسرطان ترتفع،
وهذا يتطلب تكثيف برامج الكشف المبكر عن السرطان وبرامج التوعية والتثقيف
الصحي، وإيجاد الحلول المناسبة للحد من خطورة انتشار هذا المرض.