التلوث السمعي والضجيج أخطر أمراض العصر وحركة المرور مسؤولة عن60 إلى 80 بالمئة منه

التلوث
السمعي أو ما يطلق عليه بالضوضاء يرتبط ارتباطاً وثيقاًً بالمدن والأماكن
الأكثر تقدماًً وخاصة الصناعية التي يكثر فيها استخدام الآلات والمركبات
ووسائل التكنولوجيا الحديثة وتعتبر الأصوات جزءاً من
روتينها اليومي حيث تشتهر بالباعة الجوالين الذين يستخدمون الأبواق
للتنبيه على قدومهم أو الترويج عن أنواع بضائعهم.
وتلعب
شخصية الإنسان وطباعه والعوامل المحيطة به دوراً كبيراً في تحديد تعريف
واضح للضوضاء فقد تمنحه المتعة والاسترخاء من خلال سماعه للموسيقا أو
لأصوات الطيور كما يمكن أن تكون مصدر إزعاج له وبشكل عام فإن أي صوت لا
يكون موضع ترحيب يعد تلوثاً سمعياً أياً كان نوعه سواء كان صوت سيارة أو
محرك أو حتى زقزقة عصافير.
السيدة
"سلام محمد" تقول إن مشكلة الضوضاء لا تقتصر على أصوات السيارات والدراجات
النارية التي تعد أصواتاً مزعجة بل تتعداها إلى أصوات التلفاز والأطفال
داخل المنزل والأدوات الكهربائية ورنين جرس الهاتف وغيرها التي تصيب
الإنسان بحالة من التوتر أوالشد العصبي.
بشار
حمزة" طالب جامعي يقول إن أكثر الأشياء التي تزعجه على الإطلاق هو صوت
الباعة الجوالين في الأحياء الشعبية كونهم يمرون بأوقات متقطعة من ساعات
النهار وخاصة ساعات الصباح الأولى وبذلك لا يمكنه التركيز على الدراسة ولا
يستطيع أخذ قسط من الراحة فترة الظهيرة لنفس السبب.
ويرى
علي محمود سائق سيارة إن حياة الإنسان مليئة بأنواع التلوث السمعي فأينما
اتجه يجد هذه الظاهرة تحيط به فالمعاناة تبدأ منذ الصباح عندما تدب الحركة
في المدينة ويصبح الازدحام شديداً وتكثر فيه أصوات أبواق السيارات بأنواعها
وفي النهار تسمع أصوات الضجيج في كل مكان تذهب إليه وعند الانتهاء من
العمل والتوجه إلى المنزل بقصد الراحة والهدوء بعد عمل يوم شاق يبدأ
الروتين اليومي بمشاهدة التلفاز بصوت مرتفع بالإضافة إلى سماع ضجيج الأطفال
في المنزل وأصوات المسجلة الصاخبة التي تصدر من منزل الجيران وأصوات
الآلات الكهربائية وجميع هذه الأصوات ستسبب التوتر والضيق والعصبية
للإنسان.
وتشير الدراسات إلى أن زهاء 120 مليون شخص في العالم يعانون من عجز سمعي بسبب التلوث الضوضائي الداخلي والخارجي.
الضجيج أخطر أمراض العصر
ويعرف
التلوث السمعي أو الضوضائي علميا على أنه نوع من التلوث الجوي الاهتزازي
يصدر على شكل موجات صوتية ويعتمد على مدى استيعاب أذن الإنسان له التي يمكن
أن تتحمل أمواجا صوتية يتراوح ترددها ما بين 20 درجة هيرتز إلى 2000 درجة
هيرتز.
ويقول هيثم نشواتي
مدير سلامة الغلاف الجوي في وزارة الدولة لشؤون البيئة إن الضجيج يعد من
أخطر أمراض العصر وهو عبارة عن أصوات غير منتظمة تزداد يوماً بعد يوم كما
يعد ملوثاً بيئياً ذا طبيعة غير متجانسة وغير مرغوب فيه.
وعن
أهم مصادر الضجيج يقول نشواتي إن حركة المرور تأتي في المرتبة الأولى إذ
تعد مسؤولة عن ما يقارب من 60 إلى80 بالمئة من الضجيج تليها الصناعات
المختلفة في الأماكن الصناعية كورش النجارة والمسابك وإصلاح السيارات إضافة
إلى مصادر متعلقة بالنشاطات البشرية المختلفة كعمليات البناء وإنجاز
الخدمات العامة والحركة التجارية وغيرها.
وحول
الإجراءات المقترحة للتخفيف من الضجيج في مدينة دمشق وتحديداً دمشق
القديمة يؤكد نشواتي أهمية حملات التوعية الهادفة إلى التعريف بالأضرار
الناجمة عن ارتفاع مستويات الضجيج عن الحدود المسموح بها سواء على الأشخاص
الذين يتسببون في إحداث الضجيج أو على عموم الناس وخاصة الأطفال وكبار
السن.

ويلفت
إلى ضرورة إعادة النظر في حركة المرور في مدينة دمشق القديمة بحيث لا
تتجاوز الطاقة الاستيعابية للطرق وخاصة في المناطق السياحية والأثرية
والتراثية وتطبيق قانون منع استعمال الأبواق بين الساعة الرابعة عصراً و
السابعة صباحاً إضافة إلى عدم السماح للحافلات الكبيرة والشاحنات متوسطة
وكبيرة الحمولة من المرور في طريق دمشق القديمة ومعالجة موضوع السيارات
الشاحنة الصغيرة السوزوكي والسيارات ذات المحركات المعطوبة والمصدرة للضجيج
كونها تعد من أسباب ارتفاع مستويات الضجيج في المدينة.
كما
تشير الدراسات إلى أن مستويات الضجيج المرتفعة يمكن أن تؤثر في حاسة السمع
تأثيراً بالغا وتسبب نقص السمع الاجتماعي (اضطراب التواصل) إضافة إلى نقص
السمع الشيخوخي.
الازدحام الشديد يتسبب في تدهور حالة الفرد النفسية وأدائه الوظيفي
وفي
هذا تقول لور عباس الأخصائية في علم النفس والإرشاد النفسي إن التلوث
السمعي يؤدي في كثير من الأحيان إلى تغير السلوك الاجتماعي للفرد بحيث يصبح
سريع الغضب مكتأبا باستمرار يعاني قلة النوم وتعكر المزاج الشخصي مبينة أن
الازدحام الشديد بحد ذاته يتسبب في تدهور حالة الفرد النفسية وأدائه
الوظيفي ورضاه العام عن مستوى المعيشة.
وأوضحت
عباس أنه يصعب تحديد المستويات التي يبدأ عندها التأثير السلبي للضجيج إذ
تتوقف هذه التأثيرات على الشخص ووضعه النفسي مبينة أن الضجيج عندما يصل إلى
مستوى 60 ديسيبل يؤثر في قشرة المخ ويقلل من نشاط الفرد ويشعره بالتوتر
وعدم الارتياح الداخلي والارتباك وعدم الانسجام والتوافق الصحي.
وعن
التلوث السمعي وتأثيره في الطلاب لفتت عباس إلى أن أكثر الناس تأثراً
بالضجيج هم الطلاب إذ يؤثر بدرجة كبيرة في تقبلهم للمواد المقررة لهم ومدى
فهمهم للمعلومات التي يتلقونها كما يؤثر أيضاً في عدم قدرتهم على حل أبسط
العمليات الحسابية.
وعن
تأثيرات الضجيج غير المباشرة أوضحت عباس أن بعض الأشخاص يلجؤون إلى إغلاق
النوافذ وفتحات التهوية وهو ما يؤدي إلى حدوث ضغط في المكان من شأنه
التأثير على الأشخاص كما يؤثر الضجيج في عملية التعليم والعاملين ضمن
المجال التربوي من طلاب ومعلمين وموظفين وعمال إضافة إلى أن التعرض للضجيج
بشكل مستمر يؤدي إلى تعرض الفرد للأمراض العصبية التي بدورها تؤثر في
الجهاز الهضمي والعصبي للإنسان.
عمر الإنسان يتناقص من 8 إلى10 سنوات في المدن الكبيرة بالمقارنة مع سكان الأرياف
وتشير
بعض الدراسات التي قام بها العلماء النمساويون إلى أن عمر الإنسان يتناقص
من 8 إلى10 سنوات في المدن الكبيرة بالمقارنة مع سكان الأرياف بسبب التلوث
الضوضائي.
وحول هذا الموضوع
قال الدكتور حسام حمامة أخصائي أمراض الأذن والأنف والحنجرة إن نتائج
الدراسات العلمية التي أجريت لمعرفة التأثيرات الجسدية الناجمة عن الضجيج
أظهرت تعرض المريض انقباض الأوعية الدموية وتغير إيقاع دقات القلب وإفراز
لعرق بكثرة وتغير في حركة الجهاز الهضمي إضافة إلى التغير الكيميائي لكل من
الدم والبول معا وصعوبة التنفس وزيادة الإحساس بالاجهاد والميل نحو
العصبية.
وأضاف حمامة أن
تعرض الفرد للأصوات الصاخبة ولفترات طويلة قد تزيد من احتمال حدوث ورم ينمو
في العصب الذي يربط الأذن بالمخ أو يتسبب في فقدان السمع وطنين الأذنين
والدوار أو فقدان التوازن.
وأوضح
أن هناك ثلاثة مستويات للإصابة بالتلوث السمعي وهي تلوث سمعي مزمن سببه
التعرض الدائم والمستمر لمصدر الضوضاء والضجيج الذي قد يحدث ضعفا مستديما
في السمع في حين يتمثل المستوى الثاني بالتلوث المؤقت الناتج عن التعرض
لفترات محدودة لمصدر أو مصادر الضوضاء كأصوات المفرقعات التي قد تسبب تلفا
داخليا في الأذن الوسطى.
وأوضح
أن المستوى الثالث هو المؤقت والذي قد لا يسبب أي ضرر ويتمثل بالتعرض
لفترة محدودة لمصدر ضوضاء كضجيج الشارع والأماكن المزدحمة أو ورش الأعمال
ويؤدي إلى ضعف مؤقت في السمع يعود إلى حالته الطبيعية بعد فترة بسيطة.
الهيدفون يؤدي إلى نقص في السمع بدرجة غير قابلة للمعالجة
وحول
ظاهرة انتشار الهيدفون بين الشباب والتي ازدادت بشكل ملحوظ في الآونة
الأخيرة بهدف سماع الموسيقا في الطرقات وأثناء العمل والاستراحة بين
المحاضرات بين حمامة إن وضعها لفترات طويلة يؤدي إلى نقص في السمع بدرجة
غير قابلة للمعالجة موضحا أنها توضع ضمن مجرى السمع وتوصل الصوت بشكل مباشر
إلى غشاء الطبل ما يؤدي إلى تعرض الأذن الداخلية للأذية بشكل كبير باعتبار
أن الصوت يوجه بشكل مباشر للأذن.
وبين
إن الشخص المدمن على هذه العادة يتطور لديه نقص سمع تدريجيا غير ملاحظ
خلال الفترات الأولى حيث يبدأ برفع شدة الصوت تدريجياً عند تطور نقص السمع
لديه مشيراً إلى أن عدم وجود معايير ناظمة ووعي اجتماعي للأضرار الناجمة عن
استخدام السماعات أدى إلى انتشارها بشكل كبير بين شريحة الشباب في المجتمع
السوري.
إن الاحتفاظ
بالغطاء الأخضر باعتباره يمتص نسبة كبيرة من الأصوات والعناية بتخطيط المدن
لتخفيف الازدحام وتحسين الوضع التقني للأجهزة التي يصدر عنها الضجيج
وتطبيق القرارات الصادرة عن إدارة المرور بمنع استعمال منبهات السيارات
ومراقبة محركاتها وإيقاف تلك المصدرة للأصوات العالية إضافة إلى منع
استعمال مكبرات الصوت من قبل الباعة الجوالين في شوارع المدينة والأماكن
العامة في ساعات محددة من النهار وإبعاد المدارس والمستشفيات عن مصادر
الضجيج عوامل يساعد تطبيقها والالتزام بها في تخفيف الأضرار الناجمة عن
الضوضاء وتجنب كثير من الأمراض التي قد تصيب الإنسان.