*اعلم أنّ من سنن العرب أنهم يلحقون هاء التأنيث بكل صفة للأنثى اشترك الرجل فيها معها، وذلك للتفريق بينهما، فيقولون مثلاً :قائم صفة للمذكر وقائمة للمؤنث وصائم وصائمة وظالم وظالمة وأما إن لم يكن بينهما تشارك فإنهم لايلحقونها الهاء وذلك أنها قاصرة عندئذٍ على المرأة فلم نحتج للتفريق ، فيقولون حائض ولايقولون حائضة ومثلها مرضع دون راضعة وعانس دون عانسة.
فدونك هذه اللطيفة في كتاب الله تعالى ،ففي قول الله تعالى يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت مصوراً سبحانه هول ذلك اليوم وعظمته وشدته. وكيف أنه سبحانه قال مرضعة وإلحاقها سبحانه الهاء للتأنيث مع كونها صفة لا يشارك المرأة فيها الرجل وفي ذلك سرٌ فتأملوه يا سادة ذلك أن العرب لا تجرد صفة المؤنث من الهاء مع عدم مشاركة الرجل لها إذا كانت المرأة ملقمة طفلها ثديها حالاً أي أنها واضعة ثديها في فم طفلها ،في حالة تكون المرأة أشد ما تكون عطفاً وحناناً ورحمةً على ولدها وفلذة كبدها ومع كل ذلك فهي تذهل عنه في ذلك اليوم العصيب فرحماك رحماك ربنا.
*ومن جماليات لغتنا مما جاء في كتاب ربنا قوله تعالى( ولقد جاءتْ رسلُنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلامٌ فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) هود.
ففي هذه الأية الكريمة سرٌ من أسرار لغتنا العظيمة، ذلك أن القارئ لها والمتدبر فيها يتسآءل عن عدم رد إبراهيم عليه السلام على الملائكة تحيتهم بمثلها أو أحسن منها فإن الملائكة لما سلموا قالوا نسلم سلاماً وأما إبراهيم علية السلام فقال سلامٌ قد يحسبها الناظر فيها أنها كلمةٌ واحدة ،وأبراهيم هو الكريم المضياف السابق بالخيرات أنى أن يسبقه غيره .
فتعال أخي لترى جميل رد إبراهيم عليه السلام على ملائكة الله:
إن الملائكة ياأُخي ألقت سلامها على نبي الله بالجملة الفعلية ونحن نعلم أن الجملة الفعلية تدل على التجدد و الحدوث وأما إبراهيم عليه السلام فرد سلامه بقوله( سلامٌ )وهي جملة اسمية مكونة من مبتدأ وخبره المقدر أي سلامٌ عليكم والجملة الاسمية تدل _كما هو معلوم _على الثبات والاستمرار ولاشك أن الجملة الفعلية أقل شأناً من الجملة الاسمية فقد كان رد إبراهيم عليه السلام أكمل وأبلغ من سلام الملائكة عليهم السلام. فتأمل
*ومع لطيفة من سورة يوسف تلك السورة القصصية التي تذهب بالألباب كل مذهب ففي قوله تعالى (قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب)
تأمل معي كلمة أكله الذئب إن الأكل ليس من صفات الذئب بل افترسه فهي الصفة المتحققة فيه فالافتراس أقرب للذئب صفةً من الأكل ولا مرية في ذلك، غير أن ثمة سرٍ خفي عليكم فتأملوه .
ذلك أن الفرْس _بإسكان الراء_ في اللغة هو دق العنق وإذا ما أطلق فُهم منه أكل بعضٍ من المأكول وترك بعض ،أما الأكل فهو الإتيان على كلٍ دون الإبقاء على شيء من المأكول، فعدل أخوةُ يوسف عن التعبير بالافتراس الى التعبير بالأكل حتى لايطالبهم أبوهم بشيءٍ من أثر يوسف عليه السلام فيُكشف أمرهم .
*في قوله تعالى (أتى أمر الله فلا تستعجلوه)النحل فعبر الله عن مجيء الأمر بالماضي مع كون الأمر لم يأت بعد وهو يوم القيامة ذلك أنه لما كان الأمر متحقق الوقوع لاريب فيه قادم لامحاله عبر عنه ربنا بصيغة الماضي.
* يقول تعالى : (( حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ))...
الحكمة في قول النملة (( لا يحطمنكم ...)) مع أن التحطيم لا يكون إلا للزجاج أو الخشب أو ما شابه ذلك
الحكمة لم تظهر إلا في القرن السابق عندما اكتشف أحد علماء الحشرات بأن جسم النملة يشتمل على 75% من الزجاج .... فسبحان الله الخالق المدبر لخلقه الذي أحسن كل شيء خلقه...
* يقول الله تعالى (فوجدا عبداً من عبادنا ءاتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً)لقائل أن يقول وهل ثمة فرق بين عند ولدن, أوليسا ظرفيّ مكان, وأنهما ذات المعنى, والحق أن ثمة فرق بين الكلمتين ولهذا فرق الله بينهما في الآية الكريمة, ولمعرفة الفرق بينهما تأمل معي, إن لفظتي لدن وعند وإن كانتا تعيشان تحت سقف واحد من جهة المعنى العام إلا أن بينهما خصوص وعموم من جهة المعنى الخاص, بمعنى أن لفظة عند فيها عموم أي أكثر اتساعاً بخلاف لدن فهي أخص فلو أني قلت الكتاب عند زيد فليس بلازم كون الكتاب قريباً منه فقد يكون عند أخيه, أما التعبير ب( لدن )فيُلحظ فيها الإلتصاق والقرب, فإذا بان لك الفرق بين اللفظتين فعد إلى الأية, فالله منّّ على موسى والخضر عليهما السلام بالنبوة -على القول الصحيح بأن الخضر نبي- وإذا تأملت في الأية رأيت كيف عبّر الله عن مجئ الرحمة بالعندية (عند) وعبر عن مجئ العلم باللدنية (لدن) لأن الرحمة في الأولى هي النبوة والنبوة نفعها وخيرها متعدٍ إلى البشر فجاء التعبير بعند العمومية ولمّا جاء ليعبّر عن العلم عبر عنه بلدن لأن عند موسى عليه السلام من العلم ماليس عند الخضر عليه السلام وعند الخضر عليه السلام من العلم ماليس عند موسى عليه السلام فجاء التعبير بلدن الملاصقة التي فيها خصوصية ولمزيد من التوضيح تأمل كيف أن الله عبر عن الرحمة التي طلبها أهل الكهف بقوله(ربنا ءاتنا من لدنك رحمة) فجاء التعبير باللدن الملاصقة القريبة حتى لاتكون الرحمة إلا في الكهف دون خارجه لأن من في الخارج كفار
* كان سديدُ المُلك، وهو أول من ملك قلعة شَيْزَر من بني منقذ، موصوفًا بقوّة الفطنة. وتُنقل عنه حكاية عجيبة، وهي أنه كان يتردد إلى حَلَب قبل تملّكه شيزر، وصاحب حلب يومئذ تاج الملوك محمود بن صالح بن مرداس. فجرى أمرٌ خاف سديد الملك على نفسه منه، فخرج من حلب إلى طرابلس الشام. فتقدّم محمود بن صالح إلى كاتبه أن يكتب إلى سديد الملك كتابًا يتشوّقه ويستدعيه إليه. ففهم الكاتب أنه قصد له شرّا، وكان صديقًا لسديد الملك. فكتب الكتاب كما أُمِر إلى أن بلغ إلى "إن شاء الله تعالى"، فشدَّد النون وفَتَحَها. فلما وصل الكتاب إلى سديد الملك عَرَضَه على من بمجلسه من خواصه، فاستحسنوا عبارة الكتاب، واستعظموا ما فيه من رغبة محمود فيه وإيثاره لقربه. فقال سديد الملك: إني أرى في الكتاب ما لا ترَوْن. ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال، وكتب في جملة الكتاب: أنا "الخادم المقرّ بالإنعام"، وكسر الهمزة من أنا، وشدَّد النون. فلما وصل الكتاب إلى محمود، ووقف عليه الكاتب، سُرَّ الكاتب بما فيه، وقال لأصدقائه: قد علمتُ أن الذي كتبتُه لا يخفى على سديد الملك، وقد أجاب بما طَيـَّبَ نفسي. وكان الكاتب قد قصد قول الله تعالى: "(إِنَّ المَلأَ يأتمرون بك ليقتلوك)، فأجاب سديد الملك بقوله تعالى: (إِنـَّا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها)!